التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

وقوله - سبحانه - { صرفنا } من التصريف بمعنى التنويع والتكرير .

والمثل : هو القول الغريب السائر فى الآفاق الذى يشبه مضربه مورده .

وقد أكثر القرآن من ضرب الأمثال لإِيضاح المعنى الخفى وتقريب الأمر المعقول من الأمر المحسوس ، وعرض الأمر الغائب فى صورة الحاضر .

والمعنى : ولقد كررنا ورددنا ونوعنا فى هذا القرآن من أجل هداية الناس ، ورعاية مصلحتهم ومنفعتهم ، من كل مثل من الأمثال التى تهدى النفوس ، وتشفى القلوب ، لعلهم بذلك يسلكون طريق الحق ، ويتركون طريق الباطل .

فالمقصود بهذه الجملة الكريمة ، الشهادة من الله - تعالى - بأن هذا القرآن الذى أنزله - سبحانه - على نبيه صلى الله عليه وسلم فيه من الأمثال الكثيرة المتنوعة النافعة ، ما يرشد الناس إلى طريق الحق والخير ، متى فتحوا قلوبهم له . وأعملوا عقولهم لتدبره وفهمه .

ومفعول { صرفنا } محذوف ، و " من " لابتداء الغاية ، أى : ولقد صرفنا البينات والعبر والحكم فى هذا القرآن ، من أنواع ضرب المثل لمنفعة الناس ليهتدوا ويذكروا .

ثم بين - سبحانه - موقف الإِنسان من هذه الأمثال فقال : { وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } .

والمراد بالإنسان : الجنس ، ويدخل فيه الكافر والفاسق دخولا أوليا .

والجدل : الخصومة والمنازعة مع الغير فى مسألة من المسائل .

أى : وكان الإنسان أكثر شئ مجادلة ومنازعة لغيره ، أى : أن جدله أكثر من جدل كل مجادل .

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : ولقد بينا للناس فى هذا القرآن ، ووضحنا لهم الأمور ، وفصلناها ، كيلا يضلوا عن الحق . . ومع هذا البيان ، فالإنسان كثير المجادلة والمعارضة للحق بالباطل ، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة .

قال الإمام أحمد : " حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب . عن الزهرى قال : أخبرنى على بن الحسني ، أن الحسين بن على أخبره ، أن على بن أبى طالب أخبره . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرق عليا وفاطمة ليلة فقال : " ألا تصليان ؟ " فقلت : يا رسول الله ، إنما أنفسنا بيد الله . . فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا . فانصرف حين قلت ذلك ولم يرفع إلى بشئ ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه ويقول : " وكان الإِنسان أكثر شئ جدلا " " .

وفى التعبير عن الإنسان فى هذه الجملة بأنه { شئ } وأنه { أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } إشعار لهذا الإِنسان بأن من الواجب عليه أن يقلل من غروره وكبريائه . وأن يشعر بأنه خلق من مخلوقات الله الكثيرة ، وأن ينتفع بأمثال القرآن ومواعظه وهداياته . . لا أن يجادل فيها بالباطل .

ومنهم من يرى أن المراد بالإنسان هنا : الكافر ، أو شخص معين ، قيل : هو النضر بن الحارث ، وقيل : أبى بن خلف .

لكن الظاهر أن المراد به العموم - كما أشرنا - ويدخل فيه هؤلاء دخولا أوليا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

47

ولقد كان لهم عنها مصرف ، لو أنهم صرفوا قلوبهم من قبل للقرآن ، ولم يجادلوا في الحق الذي جاء به ، وقد ضرب الله لهم فيه الأمثال ونوعها لتشمل جميع الأحوال :

( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل ، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) . .

ويعبر السياق عن الإنسان في هذا المقام بأنه ( شيء ) وأنه أكثر شيء جدلا . ذلك كي يطامن الإنسان من كبريائه ، ويقلل من غروره ، ويشعر أنه خلق من مخلوقات الله الكثيرة . وأنه أكثر هذه الخلائق جدلا . بعد ما صرف الله في هذا القرآن من كل مثل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

{ ولقد صرّفنا في هذا القرآن للناس من كل مثلٍ } من كل جنس يحتاجون إليه . { وكان الإنسان أكثر شيء } يتأتى منه الجدل . { جدلا } خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

وقوله تعالى : { ولقد صرفنا } الآية ، المعنى : ولقد خوفنا ورجينا وبالغنا في البيان ، وهذا كله بتمثيل وتقريب للأذهان ، وقوله : { من كل مثل } أي من كل مثال له نفع في الغرض المقصود بهم ، وهو الهداية ، وقوله { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً }{[7832]} خبر مقتضب في ضمنه ، فلم ينفع فيهم تصريف الأمثال ، بل هم منحرفون يجادلون بالباطل وقوله { الإنسان } يريد الجنس ، وروي أن سبب هذه الآية هو النضر بن الحارث ، وقيل ابن الزبعرى . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد نام عن صلاة الليل ، فأيقظه ، فقال له علي إنما نفسي بيد الله ، ونحو هذا ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضرب خده بيده ويقول : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } فقد استعمل الآية على العموم في جميع الناس ، و «الجدل » الخصام والمدافعة بالقول ، فالإنسان أكثر جدلاً من كل ما يجادل من ملائكة وجن وغير ذلك إن فرض وفي قوله { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } تعليم تفجع ما على الناس ، ويبين فيما بعد .


[7832]:أخرج البخاري، ومسلم، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا، فقال: ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله ، إنما أنفسنا بيد الله، إن شاء أن يبعثنا بعثنا، وانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته يضرب فخذه ويقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}.