التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

ثم تواصل السورة حديثها عن النمافقين ، فتفصح عن الأسباب التى حملتهم على هذا النفاق ، وتصور أحوالهم السيئة عندما تتوفاهم الملائكة ، وتهددهم بفضح رذائلهم ، وهتك أسرارهم . . قال - تعالى - : { إِنَّ الذين ارتدوا . . . وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } .

والمراد بارتدادهم على أدبارهم : رجوعهم إلى ما كانوا عليه من كفر وضلال .

أى : إن الذين رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والضلال ، وهم المنافقون ، الذين يتظاهرون بالإِسلام ويخفون الكفر .

وقوله : { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى } ذم لهم على هذا الارتداد ، لأنهم لم يعودوا إلى الكفر عن جهالة ، وإنما عادوا إليه من بعد أن شاهدوا الدلائل الظاهرة ، والبراهين الساطعة على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صادق فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن الإِسلام هو الدين الحق .

وقوله : { الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ وأملى لَهُمْ } جملة من مبتدأ وخبر ، وهى خبر إن فى قوله - سبحانه - : { إِنَّ الذين ارتدوا } .

وقوله : { سَوَّلَ } من التسويل بمعنى التزيين والتسهيل . يقال : سولت لفلان نفسه هذا الفعل ، أى : زينته وحسنته له ، وصورته له فى صورة الشئ الحسن مع أنه قبيح .

وقوله : { وأملى } من الإِملاء وهو الإِبقاء ملاوة من الدهر ، أى : زمنا منه أى : الشيطان زين لهؤلاء المنافقين سوء أعمالهم ، ومد لهم فى الأمانى الباطلة ، والآمال الفاسدة ، وأسباب الغواية والضلال .

وأسند - سبحانه - هذا التسويل والإِملاء إلى الشيطان ، مع أن الخالق لذلك هو الله - تعالى - لأن الشيطان هو السبب فى هذا الضلال والخسران .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

16

ويمضي في تصوير حال المنافقين ، وسبب توليهم عن الإيمان بعد إذ شارفوه فيتبين أنه تآمرهم مع اليهود ، ووعدهم لهم بالطاعة فيما يدبرون :

( إن الذين ارتدوا على أدبارهم - من بعد ما تبين لهم الهدى - الشيطان سول لهم وأملى لهم . ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله : سنطيعكم في بعض الأمر . والله يعلم إسرارهم ) . .

والتعبير يرسم معنى رجوعهم عن الهدى بعدما تبين لهم ، في صورة حركة حسية ، حركة الارتداد على الأدبار . ويكشف ما وراءها من وسوسة الشيطان وتزيينه وإغرائه . فإذا ظاهر هذه الحركة وباطنها مكشوفان مفهومان ! وهم المنافقون الذين يتخفون ويتسترون !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

ثم قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ } أي : فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر ، { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ } أي : زين لهم ذلك وحسنه ، { وَأَمْلَى لَهُمْ } أي : غرهم وخدعهم ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ} (25)

لم يزل الكلام على المنافقين فالذين ارتدوا على أدبارهم منافقون ، فيجوز أن يكون مراداً به قوم من أهل النفاق كانوا قد آمنوا حقا ثم رجعوا إلى الكفر لأنهم كانوا ضعفاء الإيمان قليلي الاطمئنان وهم الذين مثلهم الله في سورة البقرة ( 17 ) بقوله : { مَثَلهم كمثل الذين استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم } الآية .

والارتداد على الأدبار على هذا الوجه : تمثيل للراجع إلى الكفر بعد لإيمان بحال من سار ليصل إلى مكان ثم ارتد في طريقه . ولما كان الارتداد سيراً إلى الجهة التي كانت وراء السائر جُعل الارتداد إلى الأدبار ، أي إلى جهة الأدبار . وجيء بحرف على } للدلالة على أن الارتداد متمكن من جهة الأدبار كما يقال : على صراط مستقيم .

والهدى : الإيمان ، وتبيّن الهدى لهم على هذا الوجه تبيّن حقيقي لأنهم ما آمنوا إلا بعد أن تبين لهم هدى الإيمان .

وعلى هذا الوجه فالإتيان بالموصول والصلة ليس إظهاراً في مقام الإضمار لأن أصحاب هذه الصلة بعض الذين كان الحديث عنهم فيما تقدم . ويجوز أن يكون مراداً به جميعُ المنافقين ، عبر عن تصميمهم على الكفر بعد مشاركتهم المسلمين في أحوالهم في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة معه وسماععِ القرآن والمواعظ بالارتداد لأنه مفارقة لتلك الأحوال الطيبة ، أي رجعوا إلى أقوال الكفر وأعماله وذلك إذا خلوا إلى شياطينهم ، وتبين الهدى على هذا الوجه كونه بيّناً في نفسه ، وهو بيّن لهم لوضوح أدلته ولا غبار عليه ، فهذا التبين من قبيل قوله تعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه } [ البقرة : 2 ] ، أي ليس معه ما يوجب ريب المرتابين . l ويجوز أن يكون المراد به قوماً من المنافقين لم يقاتلوا مع المسلمين بعد أن علموا أن القتال حق . وهذا قول ابن عباس والضحاك والسدّي ، وعليه فلعل المراد : الجماعة الذين انخزلوا يوم أُحُد مع عبد الله بن أُبَيّ بن سلول ، والارتداد على الأدْبار على هذا الوجه حقيقة لأنهم رجعوا عن موقع القتال بعد أن نزلوا به فرجعوا إلى المدينة وكانت المدينة خلفهم . وهذا عندي أظهر الوجهين وأليق بقوله بعد { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزّل الله سنطيعكم في بعض الأمر إلى قوله : { وأدبارهم } [ محمد : 26 ، 27 ] . والهدى على هذا الوجه هو الحقّ ، أي من بعد ما علموا أن الحق قتال المشركين .

وأوثر أن يكون خبر ( إنَّ ) جملة ليتاتَّى بالجملة اشتمالها على خصائص الابتداءِ باسم الشيطان للاهتمام به في غرض ذمهم ، وأن يسند إلى اسمه مُسند فعلي ليفيد تقوّي الحكم نحو : هو يعطي الجزيل .

والتسويل : تسهيل الأمر الذي يستشعر منه صعوبة أو ضر وتزيين ما ليس بحسن .

والإملاء : المدّ والتمديد في الزمان ، ويطلق على الإبقاء على الشيء كثيراً ، أي أراهم الارتداد حسناً دائماً كما حكى عنه في قوله تعالى : { قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخُلد ومُلك لا يبلى } [ طه : 120 ] ، أي أن ارتدادهم من عمل الشيطان .

وقرأ الجمهور { وأملى لهم } بفتح الهمزة على صيغة المبني للفاعل . وقرأه أبو عمرو بضم الهمزة وكسر اللام وفتح التحتية على صيغة المبني إلى المجهول . وقرأه يعقوب بضم الهمزة وكسر اللام وسكون التحتية على أنه مسند إلى المتكلم فالضمير عائد إلى الله تعالى ، أي الشيطان سَوّل لهم وأنا أُملِي لهم فيكون الكلام وعيداً ، أي أنا أؤخرهم قليلاً ثم أعاقبهم .