التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } أى : اذكر - أيها العاقل - لتتعظ وتعتبر - يوم نقول لجهنم هل امتلأت من كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب ، واكتفيت من كل من جعل معى إلها آخر . .

فترد جهنم وتقول : يا إلهى { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } أى : يا إلهى هل بقى شئ منى لم يملتئ من هؤلاء الكافرين ؟ أنت تعلم يا خالقى أنى قد امتلأت ، ولم يبق منى موضع لقدم .

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : يخبر الله - تعالى - أنه يقول لجهنم يوم القيامة : هل امتلأت ؟ وذلك أنه وعدها أنه سيملؤها من الجِنَّة والناس أجمعين ، فهو - سبحانه - يأمر بمن يأمر به إليهان ويلقى فيها وهى تقول : { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } أى : هل بقى شئ تزيدونى ؟ .

هذا هو الظاهر من سياق الآية ، وعليه تدل الأحاديث ، فقد أخرج البخارى عن أنس بن مالك . عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " يُلْقَى فى النار - الكفرة - وتقول : هل من مزيد ، حتى يضع - سبحانه - فيها قدمه فتقول : قَطْ قَطْ - أى : حسبى حسبى " .

وعن ابن عباس قوله : { وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } أى : وهل فِيَّ من مكان يزاد فِيَّ .

وعن عكرمة قوله : وتقول : { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } وهل فىَّ مدخل واحد ؟ قد امتلأت .

وقال الشوكانى : وهذا الكلام على طريق التخييل والتمثيل ولا سؤال ولا جواب . كذا قيل : والأَوْلَى أنه على طريقة التحقيق ، ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع .

قال الواحدى : أرادها الله تصديق قوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ } . فلما امتلأت قال لها : { هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } أى : قد امتلأت ولم يبق فى موضع لم يمتلئ . وقيل : إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة . أى : إنها تطلب الزيادة على منقد صار فيها .

. والمزيد إما مصدر كالمحيد . أو اسم مفعول كالمنيع ، فالأولى بمعنى : له من زيادة . والثانى بمعنى هل من شئ تزيدونيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

16

بهذا ينتهي مشهد الحساب الرهيب بهوله وشدته ؛ ولكن المشهد كله لا ينتهي ، بل يكشف السياق عن جانب منه مخيف :

( يوم نقول لجهنم : هل امتلأت : وتقول : هل من مزيد ? ) .

إن المشهد كله مشهد حوار . فتعرض جهنم فيه في معرض الحوار وبهذا السؤال والجواب يتجلى مشهد عجيب رهيب . . هذا هو كل كفار عنيد . مناع للخير معتد مريب . . هؤلاء هم كثرة تقذف في جهنم تباعا ، وتتكدس ركاما . ثم تنادى جهنم : ( هل امتلأت ? )واكتفيت ! ولكنها تتلمظ وتتحرق ، وتقول في كظة الأكول النهم : ( هل من مزيد ? ! ) . . فيا للهول الرعيب !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة : هل امتلأت ؟ وذلك أنه وعدها أن سيملؤها من الجنة والناس أجمعين ، فهو سبحانه يأمر بمن {[27319]} يأمر به إليها ، ويلقى وهي تقول : { هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } أي : هل بقي شيء تزيدوني ؟ هذا هو الظاهر من سياق الآية ، وعليه تدل الأحاديث :

قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا عبد الله بن أبي الأسود ، حدثنا حَرَمي بن عُمَارة حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُلقَى في النار ، وتقول : هل من مزيد ، حتى يضع قدمه فيها ، فتقول قط قط " {[27320]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط ، وعزتك وكَرَمِك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول {[27321]} الجنة " {[27322]} .

ثم رواه مسلم من حديث قتادة ، بنحوه{[27323]} . ورواه أبان العطار وسليمان التيمي ، عن قتادة ، بنحوه {[27324]} .

حديث آخر : قال {[27325]} البخاري : حدثنا محمد بن موسى القطان ، حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي ، حدثنا عَوْف ، عن محمد عن أبي هريرة - رفعه ، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان - : " يقال لجهنم : هل امتلأت ، وتقول : هل من مزيد ، فيضع الرب ، عز وجل ، قدمه عليها {[27326]} ، فتقول : قط قط " {[27327]} .

رواه أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين ، به {[27328]} .

طريق أخرى : قال{[27329]} البخاري : وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن همام {[27330]} عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم . قال الله ، عز وجل ، للجنة : أنت رحمتي ، أرحم بك من أشاء من عبادي . وقال للنار : إنما أنت عذابي ، أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله ، فتقول : قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوي{[27331]} بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا آخر " {[27332]} .

حديث آخر : قال {[27333]} مسلم في صحيحه : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتجت الجنة والنار ، فقالت النار : فيَّ الجبارون والمتكبرون . وقالت الجنة : فيَّ ضعفاء الناس ومساكينهم . فقضى بينهما ، فقال للجنة : إنما أنت رحمتي ، أرحم بك من أشاء من عبادي . وقال للنار : إنما أنت عذابي ، أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها " انفرد به مسلم دون البخاري {[27334]} من هذا الوجه . والله ، سبحانه وتعالى ، أعلم .

وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى ، عن أبي سعيد بأبسط من هذا السياق فقال :

حدثنا حسن وروح قالا حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " افتخرت الجنة والنار ، فقالت النار : يا رب ، يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف . وقالت الجنة : أي رب ، يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين . فيقول الله ، عز وجل ، للنار : أنت عذابي ، أصيب بك من أشاء . وقال للجنة : أنت رحمتي ، وسعت كل شيء ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فيلقى في النار أهلها فتقول : هل من مزيد ؟ قال : ويلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ ويلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ حتى يأتيها{[27335]} عز وجل ، فيضع قدمه عليها ، فتزوي وتقول : قدني ، قدني . وأما الجنة فيبقى فيها ما شاء الله أن يبقى ، فينشئ الله لها خلقا ما يشاء " {[27336]} .

حديث آخر : وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا عقبة بن مُكْرَم ، حدثنا يونس ، حدثنا عبد الغفار بن القاسم ، عن عُدي بن ثابت ، عن زِرِّ بن حُبَيْش ، عن أبي بن كعب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يعرفني الله ، عز وجل ، نفسه يوم القيامة ، فأسجد سجدة يرضى بها عني ، ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني ، ثم يؤذن لي في الكلام ، ثم تمر أمتي على الصراط - مضروب بين ظهراني جهنم - فيمرون أسرع من الطرف والسهم ، وأسرع من أجود الخيل ، حتى يخرج الرجل منها يحبو ، وهي الأعمال . وجهنم تسأل المزيد ، حتى يضع فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط ! وأنا على الحوض " . قيل : وما الحوض يا رسول الله ؟ قال : " والذي نفسي بيده ، إن شرابه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك . وآنيته أكثر من عدد النجوم ، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ، ولا يصرف فيروى أبدا " {[27337]} . وهذا القول هو اختيار ابن جرير .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو يحيى الحمَّاني{[27338]} عن نضر الخزاز ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } قال : ما امتلأت ، قال : تقول : وهل في من مكان يزاد في .

وكذا روى الحكم بن أبان عن عكرمة : { وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } : وهل في مدخل واحد ، قد امتلأت .

[ و ] {[27339]} قال الوليد بن مسلم ، عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاهدًا يقول : لا يزال يقذف فيها حتى تقول : قد امتلأت فتقول : هل [ فيَّ ] {[27340]} من مزيد ؟ وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا .

فعند هؤلاء أن قوله تعالى : { هَلِ امْتَلأتِ } ، إنما هو بعد ما يضع عليها قدمه ، فتنزوي وتقول حينئذ : هل بقي في [ من ] {[27341]} مزيد ؟ يسع شيئا .

قال العوفي ، عن ابن عباس : وذلك حين لا يبقى فيها موضع [ يسع ]{[27342]} إبرة . فالله{[27343]} أعلم .


[27319]:- (4) في م: "من".
[27320]:- (5) صحيح البخاري برقم (4848).
[27321]:- (1) في أ: "فضل".
[27322]:- (2) المسند (3/234).
[27323]:- (3) صحيح مسلم برقم (4848).
[27324]:- (4) أخرجه الطبري في تفسيره (26/106).
[27325]:- (5) في م: "وقال".
[27326]:- (6) في م: "عليها قدمه".
[27327]:- (7) صحيح البخاري برقم (4849).
[27328]:- (8) رواه احمد في مسنده (2/507) من طريق هشام بن حسان به. ورواه الطبري في تفسيره (26/107) من طريق أيوب وهشام بن حسان به.
[27329]:- (9) في م: "وقال".
[27330]:- (10) في م: "همام بن منبه".
[27331]:- (11) في أ: "ينزوي".
[27332]:- (12) صحيح البخاري برقم (4850).
[27333]:- (13) في م: "وقال".
[27334]:- (1) صحيح مسلم برقم (2847).
[27335]:- (2) في م: "يأتيها ربها".
[27336]:- (3) المسند (3/13).
[27337]:- (4) ورواه ابن أبي عاصم في السنة برقم (790) من طريق عقبة بن مكرم به.وقال الألباني: "إسناده موضوع آفته عبد الغفار بن القاسم، وهو أبو مريم الأنصاري كان يضع الحديث كما قال ابن المديني وأبو داود".
[27338]:- (5) في م: "الحمان".
[27339]:- (1) زيادة من م.
[27340]:- (2) زيادة من م.
[27341]:- (3) زيادة من م.
[27342]:- (4) زيادة من م، أ.
[27343]:- (5) في م: "والله".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

{ يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد } سؤال وجواب جيء بهما للتخييل والتصوير ، والمعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها الجنة والناس فوجا فوجا حتى تمتلئ لقوله تعالى : { لأملأن جهنم } ، أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ ، أو أنها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثرة لهم والطالبة لزيادتهم . وقرأ نافع وأبو بكر يقول بالباء وال { مزيد } إما مصدر كالمحيد أو مفعول كالمبيع ، و{ يوم } مقدر باذكر أو ظرف ل { نفخ } فيكون ذلك إشارة إليه فلا يفتقر إلى تقدير مضاف .