وقوله - تعالى - : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } والتحديث بالشئ : الإِخبار به ، والحديث عنه ، أى : وكما كنت عائلا فأغنيناك بفضلنا وإحساننا ، فاشكرنا على ذلك ، بأن تظهر نعمنا عليك ولا تسترها ، وأذعها بين الناس ، وأمر أتباعك أن يفعلوا ذلك ، ولكن بدون تفاخر أو مباهاة . . فإن ذكر النعم على سبيل الرياء والتفاخر والتطاول على الغير . . يبغضه الله - تعالى - ، ويعاقب صاحبه عقابا أليما .
قال الإِمام ابن كثير : وقوله : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أى : وكما كنت عائلا فقيرا فأغناك الله ، فحدث بنعمة الله عليك ، كما جاء فى الدعاء : " واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها ، قابليها ، وأتمها علينا " وعن أبى نضرة قال : كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يُحَدِّث بها . وعن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : " من لم يشكر القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس ، لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر ، والجامعة رحمة والفرقة عذاب . . "
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد ذكر ثلاث نعم مما أنعم به على نبيه صلى الله عليه وسلم وأرشده إلى كيفية شكرها . نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من عباده المشركين .
{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي : وكما كنت عائلا فقيرًا فأغناك الله ، فحدث بنعمة الله عليك ، كما جاء في الدعاء المأثور النبوي : " واجعلنا شاكرين لنعمتك{[30193]} مثنين بها ، قابليها ، وأتمها علينا " .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُلَية ، حدثنا سعيد بن إياس الجُرَيري ، عن أبي نضرة قال : كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدّث بها .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا الجراح بن مَليح ، عن أبي عبد الرحمن ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر : " من لم يشكر القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله . والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر . والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب " {[30194]} إسناد ضعيف .
وفي الصحيحين ، عن أنس ، أن المهاجرين قالوا : يا رسول الله ، ذهب الأنصار بالأجر كله . قال : " لا ما دعوتم الله لهم ، وأثنيتم عليهم " {[30195]} .
وقال أبو داود : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا الربيع بن مسلم ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يشكر الله من لا يشكر الناس " .
ورواه الترمذي عن أحمد بن محمد ، عن ابن المبارك ، عن الربيع بن مسلم{[30196]} وقال : صحيح .
وقال أبو داود : حدثنا عبد الله بن الجراح ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أبلي بلاء فذكره فقد شكره ، وإن كتمه فقد كفره " . تفرد به أبو داود{[30197]} .
وقال أبو داود : حدثنا مُسَدَّد ، حدثنا بشر{[30198]} حدثنا عمارة بن غَزية ، حدثني رجل من قومي ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطَى عَطاء فَوَجَد فَليَجزْ به ، فإن لم يجد فَليُثن به ، فمن أثنى به فقد شكره ، ومن كتمه فقد كفره " . قال أبو داود : ورواه يحيى بن أيوب ، عن عُمارة بن غَزية ، عن شرحبيل عن جابر - كرهوه فلم يسموه . تفرد به أبو داود{[30199]} .
وقال مجاهد : يعني النبوة التي أعطاك ربك . وفي رواية عنه : القرآن .
وقال ليث ، عن رجل ، عن الحسن بن علي : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } قال : ما عملت من خير فَحَدث إخوانك .
وقال محمد بن إسحاق : ما جاءك الله{[30200]} من نعمة وكرامة من النبوة فحدّث بها واذكرها ، وادع إليها . وقال : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه من النبوة سرًا إلى من يطمئن إليه من أهله ، وافترضت عليه الصلاة ، فصلى .
آخر تفسير سورة " الضحى " [ ولله الحمد ]{[30201]} .
أمّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ : يقول : فاذكره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، في قوله : وَأمّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ قال : بالنبوّة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا سعيد بن إياس الجريريّ ، عن أبي نضرة ، قال : كان المسلمون يرون أن من شُكْرِ النعم أن يحدّثَ بها .
وأمره الله تعالى بالتحدث بالنعمة ، فقال مجاهد والكسائي : معناه : بث القرآن وبلغ ما أرسلت به ، وقال آخرون بل هو عموم في جميع النعم ، وكان بعض الصالحين يقول : لقد أعطاني الله كذا وكذا ، ولقد صليت البارحة كذا وذكرت الله كذا ، فقيل له : إن مثلك لا يقول هذا ، فقال إن الله تعالى يقول : { وإما بنعمة ربك بحدث } ، وأنتم تقولون لا تحدث ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( التحدث بالنعم شكر ){[11878]} ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أسديت إليه يد نعمة فذكرها فقد شكرها ومن سترها فقد كفرها ){[11879]} ونصب [ اليتيم ] ب [ تقهر ] والتقدير : مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم .