التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

ثم انتقل شعيب إلى نهيهم عن رذائل أخرى كانوا متلبسين بها فقال : { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } توعدون : من التوعد بمعنى التخويف والتهديد . أى : ولا تقعدوا بكل طريق من الطرق المسلوكة تهددون من آمن بى بالقتل ، وتخيفونه بأنواع الأذى ، وتلصقون بى وأنا نبيكم التهم التي أنا برىء منها ، بأن تقولوا لمن يريد الإيمان برسالتى : إن شعيبا كذاب وإنه يريد أن يفتنكم عن دينكم .

وقوله : { وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً } أى : وتصرفون عن دين الله وطاعته من آمن به ، وتطلبون لطريقه العوج بإلقاء الشبه أو بوصفها بما ينقصها ، مع أنها هى الطريق المستقيم الذي هو أبعد ما يكون من شائبه الاعوجاج .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : صراط الحق واحد { وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } فكيف قيل : بكل صراط ؟ قلت : صراط الحق واحد ، ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة ، فكانوا إذا رأوا أحداً يشرع في شىء منها أوعدوه وصدوه فإن قلت : إلام يرجع الضمير في { آمَنَ بِهِ } ؟ قلا : إلى كل صراط ، والتقدير : توعدون من آمن به وتصدون عنه . فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير زيادة في تقبيح أمرهم ، ودلالة على عظم ما يصدون عنه .

وقوله : توعدون . وتصدون ، وتبغون هذه الجمل أحوال ، أى : لا تقعدوا موعدين وصادين ، وباغين ، ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس فيه كل مذهب ، ثم ذكرهم شعيب بنعم الله عليهم فقال : { واذكروا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } أى : اذكروا ذلك الزمن الذي كنتم فيه قليلى العدد فكثركم الله بأن جعلكم موفورى العدد ، وكنتم في قلة من الأموال فأفاضها الله بين أيديكم ، فمن الواجب عليكم أن تشكروه على هذه النعم ، وأن تفردوه بالعبادة والطاعة ثم اتبع هذا التذكير بالنعم بالتخويف من عواقب الافساد فقال : { وانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين } أى : انظروا نظر تأمل واعتبار كيف كانت عاقبة المفسدين من الأمم الخالية ، والقرون الماضية ، كقوم لوط وقوم صالح ، فسترون أنهم قد دمروا تدميراً بسبب إفسادهم في الأرض ، وتكذيبهم لرسلهم ( فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَلاَ تطيعوا أَمْرَ المسرفين ) لأن سيركم على طريقهم سيؤدى بكم إلى الدمار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

59

ونأتي للصفحة الأخيرة من صحائف الأقوام المكذبة في تلك الحقبة من التاريخ . . صفحة مدين وأخيهم شعيب :

( وإلى مدين أخاهم شعيباً ، قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، قد جاءتكم بينة من ربكم ، فأوفوا الكيل والميزان ، ولا تبخسوا الناس اشياءهم ، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ، ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين . ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً ، واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم ، وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين . . وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا ، وهو خير الحاكمين ) . .

( قال الملأ الذين استكبروا من قومه : لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا . قال : أو لو كنا كارهين ؟ قد افترينا على اللّه كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا اللّه منها ، وما يكون لنا أن نعود فيها - إلا أن يشاء اللّه ربنا ، وسع ربنا كل شيء علماً - على اللّه توكلنا ، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الفاتحين . وقال الملأ الذين كفروا من قومه : لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون . فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين . الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها ، الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين ، فتولى عنهم وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ، فكيف آسى على قوم كافرين ؟ ) . .

إننا نجد شيئاً من الإطالة في هذه القصة ، بالقياس إلى نظائرها في هذا الموضع ، ذلك أنها تتضمن غير قضية العقيدة شيئاً عن المعاملات ، وإن كانت القصة سائرة على منهج الاستعراض الإجمالي في هذا السياق .

( وإلى مدين أخاهم شعيباً ، قال : يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره ) .

فهي قاعدة الدعوة التي لا تغيير فيها ولا تبديل . . ثم تبدأ بعدها بعض التفصيلات في رسالة النبي الجديد :

( قد جاءتكم بينة من ربكم ) . .

ولا يذكر السياق نوع هذه البينة - كما ذكرها في قصة صالح - ولا نعرف لها تحديداً من مواضع القصة في السور الأخرى . ولكن النص يشير إلى أنه كانت هناك بينة جاءهم بها ، تثبت دعواه أنه مرسل من عند اللّه . ويرتب على هذه البينة ما يأمرهم به نبيهم من توفية الكيل والميزان ، والنهي عن الإفساد في الأرض ، والكف عن قطع الطريق على الناس ، وعن فتنة المؤمنين عن دينهم الذي ارتضوه :

( فأوفوا الكيل والميزان ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ، ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين . ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ، وتصدون عن سبيل اللّه من آمن به ، وتبغونها عوجاً ، واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم ، وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) . .

وندرك من هذا النهي أن قوم شعيب ، كانوا قوماً مشركين لا يعبدون اللّه وحده ، إنما يشركون معه عباده في سلطانه ؛ وأنهم ما كانوا يرجعون في معاملاتهم إلى شرع اللّه العادل ؛ إنما كانوا يتخذون لأنفسهم من عند أنفسهم قواعد للتعامل - ولعل شركهم إنما كان في هذه الخصلة - وأنهم - لذلك - كانوا سيئي المعاملة في البيع والشراء ؛ كما كانوا مفسدين في الأرض ، يقطعون الطريق على سواهم . ظلمة يفتنون الذين يهتدون ويؤمنون عن دينهم ، ويصدونهم عن سبيل اللّه المستقيم ؛ ويكرهون الاستقامة التي في سبيل اللّه ؛ ويريدون أن تكون الطريق عوجاء منحرفة ، لا تمضي على استقامتها كما هي في منهج اللّه .

ويبدأ شعيب - عليه السلام - بدعوتهم إلى عبادة اللّه وحده وإفراده سبحانه بالألوهية ، وإلى الدينونة له وحده وإفراده من ثم بالسلطان في أمر الحياة كله .

يبدأ شعيب - عليه السلام - في دعوتهم من هذه القاعدة ؛ التي يعلم أنه منها تنبثق كل مناهج الحياة وكل أوضاعها ؛ كما أن منها تنبثق قواعد السلوك والخلق والتعامل . ولا تستقيم كلها إلا إذا استقامت هذه القاعدة .

ويستصحب في دعوتهم إلى الدينونة للّه وحده ، وإقامة حياتهم على منهجه المستقيم ، وترك الإفساد في الأرض بالهوى بعدما أصلحها اللّه بالشريعة . .

يستصحب في دعوتهم إلى هذا كله بعض المؤثرات الموحية . . يذكرهم نعمة اللّه عليهم :

( واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم ) .

ويخوفهم عاقبة المفسدين من قبلهم :

( وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

ينهاهم شعيب ، عليه السلام ، عن قطع الطريق الحسي والمعنوي ، بقوله : { وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } أي : توعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم . قال السدي وغيره : كانوا عشارين . وعن ابن عباس [ رضي الله عنه ]{[11962]} ومجاهد وغير واحد : { وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ } أي : تتوعدون المؤمنين الآتين إِلى شعيب ليتبعوه . والأول أظهر ؛ لأنه قال : { بِكُلِّ صِرَاطٍ } وهي الطرق ، وهذا الثاني هو قوله : { وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي : وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة . { وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ } أي : كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عَدَدكم ، فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك ، { وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } أي : من الأمم الخالية والقرون الماضية ، ما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب{[11963]} رسله .


[11962]:زيادة من أ.
[11963]:في أ: "وتكذيبهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوَاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثّرَكُمْ وَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } .

يعني بقوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ : ولا تجلسوا بكلّ طريق وهو الصراط توعدون المؤمنين بالقتل . وكانوا فيما ذكر يقعدوه على طريق من قصد شعيبا وأراده ليؤمن به ، فيتوعدونه ويخوّفونه ويقولون : إنه كذّاب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ قال : كانوا يوعدون من أتى شعيبا وغشيه فأراد الإسلام .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا تَقْعَدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ والصراط : الطريق ، يخوّفون الناس أن يأتوا شعيبا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قال : كانوا يجلسون في الطريق ، فيخبرون من أتى عليهم أن شعيبا عليه السلام كذّاب ، فلا يفتنْكم عن دينكم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : بِكُرّ صِراطٍ تُوعِدُونَ : كلّ سبيل حقّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ كانوا يقعدون على كلّ طريق يوعدون المؤمنين .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن قيس ، عن السديّ : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ قال : العشّارون .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن ابي هريرة أو غيره ، شكّ أبو جعفر الرازي قال : أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به على خشبة على الطريق لا يمرّ بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته ، قال : «ما هَذَا يا جُبْريلُ ؟ » قال : هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم تلا : وَلا تَقْعُدُوا بكُلّ صِرَاطٍ تُوعَدُونَ وَتَصُدّونَ .

وهذا الخبر الذي ذكرناه عن أبي هريرة يدلّ على أن معناه كان عند أبي هريرة أن نبيّ الله شعيبا إنما نهى قومه بقوله : وَلا تَقْعُدُا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ عن قطع الطريق ، وأنهم كانوا قطاع الطريق . وقيل : وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ ولو قيل في غير القرآن : لا تقعدوا في كل صراط كان جائزا فصيحا في الكلام وإنما جاز ذلك لأن الطريق ليس بالمكان المعلوم ، فجاز ذلك كما جاز أن يقال : قعد له بمكان كذا ، وعلى مكان كذا ، وفي مكان كذا . قال : تُوعِدونَ ولم يقل : «تعدون » ، لأن العرب كذلك تفعل فيما أبهمت ولم تفصح به من الوعيد ، تقول : «أوعدته » بالألف «وتقدّم مني إليه وعيد » ، فإذا بينتْ عما أوعدت وأفصحت به ، قالت : «وعدته خيرا ، ووعدته شرّا » بغير ألف ، كما قال جلّ ثناؤه : النّارُ وَعَدَها اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا .

وأما قوله : وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ فإنه يقول : وتردّون عن طريق الله وهو الردّ عن الإيمان بالله والعمل بطاعته من آمن به ، يقول : تردّون عن طريق الله من صدّق بالله ووحده . وتَبْغُونَها عِوَجا يقول : وتلتمسون لمن سلك سبيل الله وآمن به وعمل بطاعته ، عوجا عن القصد والحقّ إلى الزّيغ والضلال . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قال : أهلها ، وتَبْغُونَها عِوَجا تلتمسون لها الزيغ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وتَبْغُونَها عِوَجا قال : تبغون السبيل عن الحقّ عوجا .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ عن الإسلام تبغون السبيل عِوَجا : هلاكا .

وقوله : وَاذْكُرُوا إذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثّرَكُمْ يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثر جماعتهم بعد أن كانوا قليلاً عددهم ، وأن رفعهم من الذلة والخساسة . يقول لهم : فاشكروا الله الذي أنعم عليكم بذلك وأخلصوا له العبادة ، واتقوا عقوبته بالطاعة ، واحذروا نقمته بترك المعصية . وَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُفْسِدِينَ يقول : وانظروا ما نزل بمن كان قبلكم من الأمم حين عتوا على ربهم وعصوا رسله من المثلات والنقمات ، وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه ، ألم يهلك بعضهم غرقا بالطوفان وبعضهم رجما بالحجارة وبعضهم بالصيحة ؟ والإفساد في هذا الموضع معناه : معصية الله .