التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

ثم بين - سبحانه - ما يفعلونه بعد حلهم وخروجهم من الإحرام فقال : { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } .

والمراد بالقضاء هنا : الإزالة ، وأصله القطع والفصل ، فأريد به الإزالة على سبيل المجاز .

والتفث : الوسخ والقذر ، كطول الشعر والأظفار يقال : تَفِث فلان - كفرح - يتفَث تفثا فهو تفث ، إذا ترك الاغتسال والتطيب والتنظيف فأصابته الأوساخ .

والمراد بالطواف هنا : طواف الإفاضة ، الذى هو أحد أركان الحج ، وبه يتم التحلل .

والعتيق : القديم حيث إنه أول بيت وضع لعبادة الله فى الأرض ، وقيل سمى بالعتيق لأن الله - تعالى - أعتقه من أ ، يتسلط عليه جبار فيهدمه أو يخربه .

والمعنى : ثم بعد حلهم وبعد الإتيان بما عليهم من مناسك . فليزيلوا عنهم أدرانهم وأوساخهم ، وليوفوا نذورهم التى نذروها لله - تعالى - فى حجهم ، وليطوفوا طواف الإفاضة ، بهذا البيت القديم الذى جعله الله - تعال - أول بيت لعبادته ، وصانه من اعتداء كل جبار أثيم .

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد توعدت كل من يصد الناس عن هذا البيت بأشد ألوان الوعيد ، وبينت أن الناس فيه سواء ، وتحدثت عن جانب من فضله - سبحانه -على نبيه إبراهيم - عليه السلام - حيث أرشده إلى مكان هذا البناء ، وشرفه بتهيئته ليكون أول مكان لعبادته - تعالى - ، وأمره بأن ينادى فى الناس بالحج إليه ، ليشهدوا منافع عظيمة لهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

25

وبالنحر ينتهي الإحرام فيحل للحاج حلق شعره أو تقصيره ، ونتف شعر الإبط ، وقص الأظافر والاستحمام . مما كان ممنوعا عليه في فترة الإحرام . وهو الذي يقول عنه : ( ثم ليقضوا تفثهم ، وليوفوا نذورهم )التي نذروها من الذبائح غير الهدي الذي هو من أركان الحج . ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) . . طواف الإفاضة بعد الوقوف بعرفات ، وبه تنتهي شعائر الحج . وهو غير طواف الوداع .

والبيت العتيق هو المسجد الحرام أعفاه الله فلم يغلب عليه جبار . وأعفاه الله من البلى والدثور ، فما يزال معمورا منذ إبراهيم عليه السلام ولن يزال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

وقوله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو وضع [ الإحرام ]{[20161]} من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الأظفار ، ونحو ذلك . وهكذا روى عطاء ومجاهد ، عنه . وكذا قال عكرمة ، ومحمد بن كعب القُرَظي .

وقال عكرمة ، عن ابن عباس : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } قال : التفث : المناسك .

وقوله : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني : نحر ما نذر من أمر البُدن .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } :{[20162]} نذر الحج والهدي وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج .

وقال إبراهيم بن مَيْسَرَة ، عن مجاهد : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } قال : الذبائح .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } كل نذر إلى أجل .

وقال عكرمة : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } ، قال : [ حجهم .

وكذا روى الإمام ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان في قوله : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } قال : ] {[20163]} نذر الحج ، فكل من دخل الحج فعليه من العمل فيه : الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وعرفة ، والمزدلفة ، ورمي الجمار ، على ما أمروا به . وروي عن مالك نحو هذا .

وقوله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } : قال مجاهد : يعني : الطواف الواجب يوم النحر .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن أبي حمزة قال : قال لي ابن عباس : أتقرأ سورة الحج ؟ يقول{[20164]} الله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } ، فإن آخر المناسك الطواف بالبيت .

قلت : وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما رجع إلى منى يوم النحر بدأ يرمي الجمرة ، فرماها بسبع حصيات ، ثم نحر هديه ، وحلق رأسه ، ثم أفاض فطاف بالبيت . وفي الصحيح عن ابن عباس أنه قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض{[20165]} .

وقوله : { بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } : فيه مستدل لمن ذهب إلى أنه يجب الطواف من وراء الحجر ؛ لأنه من أصل{[20166]} البيت الذي بناه إبراهيم ، وإن كانت قريش قد أخرجوه من البيت ، حين قصرت بهم النفقة ؛ ولهذا طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحِجْر ، وأخبر أن الحجر من البيت ، ولم يستلم الركنين الشاميين ؛ لأنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم العتيقة ؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر العَدَني ، حدثنا سفيان ، عن هشام بن حُجْر ، عن رجل ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } ، طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه{[20167]} .

وقال قتادة ، عن الحسن البصري في قوله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ قال ]{[20168]} : لأنه أول بيت وضع للناس . وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وعن عكرمة أنه قال : إنما سمي البيت العتيق ؛ لأنه أعتق يوم الغرق زمان نوح .

وقال خَصِيف : إنما سمي البيت العتيق ؛ لأنه لم يظهر عليه جبار قط .

وقال ابن أبي نَجِيح وليث عن مجاهد : أعتق من الجبابرة أن يسلطوا عليه . وكذا قال قتادة .

وقال حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن بن مسلم ، عن مجاهد : لأنه لم يُرِده أحد بسوء إلا هلك .

وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن الزهري ، عن ابن الزبير قال : إنما سمي البيت العتيق ؛ لأن الله أعتقه من الجبابرة{[20169]} .

وقال الترمذي : حدثنا محمد بن إسماعيل وغير واحد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، أخبرني الليث ، عن عد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن عروة ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما سمي البيت العتيق ؛ لأنه لم يظهر عليه جبار " .

وكذا رواه ابن جرير ، عن محمد بن سهل النجاري{[20170]} ، عن عبد الله بن صالح ، به{[20171]} . وقال : إن كان صحيحًا وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، ثم رواه من وجه آخر عن الزهري ، مرسلا{[20172]} .


[20161]:- زيادة من ف ، أ.
[20162]:- زيادة من ت ، ف ، أ.
[20163]:- زيادة من ت ، ف ، أ".
[20164]:- في ت : "فيقول".
[20165]:- صحيح البخاري برقم (329) وصحيح مسلم برقم (1328) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[20166]:- في أ : "داخل".
[20167]:- ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في الدر المنثور (6/41).
[20168]:- زيادة من ف ، أ.
[20169]:- تفسير عبد الرزاق (2/32).
[20170]:- في ف : "المحاربي".
[20171]:- سنن الترمذي برقم (3170) وفيه "هذا حديث حسن صحيح" وأظنه خطأ.
[20172]:- صحيح البخاري برقم (2654) وصحيح مسلم برقم (87).