التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

ثم ختم - سبحانه - تلك الأحكام المحكمة ، والتكاليف السامية ، بقوله : { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } .

أى : ذلك الذى أمرناك به ، ونهيناك عنه - أيها الرسول الكريم - بعض ما أوحاه الله - تعالى - عليك { من الحكمة } التى هى علم الشرائع ومعرفة الحق ، والعمل به ، وحذار أن تجعل بعد هذا البيان الحكيم ، مع الله - تعالى - إلها آخر - أيها المخاطب - فتلقى وتطرح فى جهنم ، ملوما من نفسك ومن غيرك ، مدحورا أى : مبعدا من رحمة الله - تعالى - .

قال صاحب الكشاف : ولقد جعل الله - تعالى - فاتحتها - أى تلك الآيات المشتملة على تلك الأوامر والنواهى - وخاتمتها ، النهى عن الشرك ، لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذّ فيها الحكماء ، وحك بيافوخه السماء ، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة التى اشتملت على بضع وعشرين تكليفا ، والتى ابتدأت بقوله - تعالى - { لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } وانتهت بقوله - سبحانه - : { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ . . } قد ربطت قواعد السلوك والآداب : والتكاليف الفردية والاجتماعية ، بإخلاص العبادة لله - تعالى - لأن هذا الإِخلاص لله - تعالى - فى العقيدة والعبادة والقول والعمل . . هو رأس كل حكمة وملاكها . كما قال صاحب الكشاف - رحمه الله - .

وبعد أن ذكر - سبحانه - ما ذكر من الأوامر والنواهى فى الآيات السابقة ، التى بدأها وختمها بالنهى عن الإِشراك بالله - تعالى - أتبع ذلك بإقامة الأدلة على استحالة أن يكون له شريك أو ولد ، بل كل من فى السماوات ومن الأرض ، خاضع لسلطانه ، وما من شئ إلا ويسبح بحمده ، فقال - تعالى - : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

22

ويختم الأوامر والنواهي كما بدأها بربطها بالله وعقيدة التوحيد والتحذير من الشرك . وبيان أنها بعض الحكمة التي يهدي إليها القرآن الذي أوحاه الله إلى الرسول :

( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ) .

وهو ختام يشبه الابتداء . فتجيء محبوكة الطرفين ، موصولة بالقاعدة الكبرى التي يقيم عليها الإسلام بناء الحياة ، قاعدة توحيد الله وعبادته دون سواه . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

القول في تأويل قوله تعالى { ذَلِكَ مِمّآ أَوْحَىَ إِلَيْكَ رَبّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلََهاً آخَرَ فَتُلْقَىَ فِي جَهَنّمَ مَلُوماً مّدْحُوراً } .

يقول تعالى ذكره : هذا الذي بيّنا لك يا محمد من الأخلاق الجميلة التي أمرناك بجميلها ، ونهيناك عن قبيحها مِمّا أوْحَى إلَيْكَ رَبّكَ مِنَ الحِكْمَةِ يقول : من الحكمة التي أوحيناها إليك في كتابنا هذا ، كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ذلكَ مِمّا أوْحَى إلَيْكَ رَبّكَ مِنَ الحِكْمَةِ قال : القرآن .

وقد بيّنا معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إلها آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنّمَ مَلُوما مَدْحُورا يقول : ولا تجعل مع الله شريكا في عبادتك ، فتُلقى في جهنم ملوما تلومك نفسك وعارفوك من الناس مَدْحُورا يقول : مُبْعَدا مقصيا في النار ، ولكن أخلص العبادة لله الواحد القهّار ، فتنجوَ من عذابه . وبنحو الذي قلنا في قوله مَلُوما مَدْحُورا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : مَلُوما مَدْحُورا يقول : مطرودا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة مَلُوما مَدْحُورا قال : ملوما في عبادة الله ، مدحورا في النار .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

{ ذلك } إشارة إلى الأحكام المتقدمة . { مما أوحى إليك ربك من الحكمة } التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به . { ولا تجعل مع الله إلها آخر } كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه ، فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد يفعله أو تركه غيره ضاع سعيه ، وأنه رأس الحكمة وملاكها ، ورتب عليه أولا ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانيا ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى : { فتُلقى في جهنم ملوماً } تلوم نفسك . { مدحورا } مبعدا من رحمة الله تعالى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

{ ذلك مِمَّآ أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحكمة }

عدل عن مخاطبة الأمة بضمائر جمع المخاطبين وضمائر المخاطَب غير المعين إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ردًّا إلى ما سبق في أول هذه الآيات من قوله : { وقضى ربك } الخ [ الإسراء : 23 ] . وهو تذييل معترض بين جمل النهي . والإشارة إلى جميع ما ذكر من الأوامر والنواهي صراحةً من قوله : { وقضى ربك } [ الإسراء : 23 ] .

وفي هذا التذييل تنبيه على أنّ ما اشتملت عليه الآيات السبع عشرةَ هو من الحكمة ، تحريضاً على اتباع ما فيها وأنه خير كثير . وفيه امتنان على النبي بأن الله أوحى إليه ، فذلك وجه قوله : مما أوحى إليك تنبيهاً على أن مثل ذلك لا يصل إليه الأميون لولا الوحي من الله ، وأنه علمه ما لم يكن يعلم وأمره أن يعلمه الناس .

والحكمة : معرفة الحقائق على ما هي عليه دون غلط ولا اشتباه ، وتطلق على الكلام الدال عليها . وتقدم في قوله تعالى : { يؤتي الحكمة من يشاء } [ البقرة : 269 ] .

{ ولا تجعل مع الله إلاها ءاخر فتلقى في جهنم ملة مدحورا }

عطف على جمل النهي المتقدمة ، وهذا تأكيد لمضمون جملة { ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] ، أعيد لقصد الاهتمام بأمر التوحيد بتكرير مضمونه وبما رتب عليه من الوعيد بأن يجازى بالخلود في النار مهانا .

والخطاب لغير معين على طريقة المنهيات قبله ، وبقرينة قوله عقبه : { أفأصفاكم ربكم بالبنين } الآية [ الإسراء : 40 ] .

والإلقاء : رمْي الجسم من أعلى إلى أسفل ، وهو يؤذن بالإهانة .

والملوم : الذي يُنكر عليه ما فعله .

والمدحور : المطرود ، أي المطرود من جانب الله ، أي مغضوب عليه ومبعد من رحمته في الآخرة .

و تُلقى منصوب في جواب النهي بفاء السببية والتسبب على المنهي عنه ، أي فيتسبب على جعلك مع الله إلهاً آخر إلقاؤك في جهنَم .