التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

ثم بين - سبحانه - أن هذا القرآن مشتمل على أحسن القصص وأحكمها وأصدقها فقال - تعالى - { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين } .

قال الفخر الرازى ما ملخصه : " القصص : إتباع الخبر بعضه بعضا ، وأصله في اللغة المتابعة قال - تعالى - { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ . . } أى اتبعى أثره . وقال - تعالى - { فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصاً } أى : اتباعاً ، وإنما سميت الحكاية قصصا ، لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئا فشيئا ، كما يقال : " تلا فلان القرآن ، أى قرأه آية فآية " .

والمعنى : نحن نقص عليك - أيها الرسول الكريم " أحسن القصص " أى : أحسن أنواع البيان ، وأوفاه بالغرض الذي سبق من أجله .

وإنما كان قصص القرآن أحسن القصص ، لاشتماله على أصدق الأخبار ، وأبلغ الأساليب ، وأجمعها للحكم والعبر والعظات .

والباء في قوله { بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن } للسببية متعلقة بنقص ، و { ما } مصدرية .

أى : نقص عليك أحسن القصص ، بسبب إيحائنا إليك هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والذى هو في الذورة العليا في بلاغته وتأثيره في النفوس .

وجملة { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين } في موضع الحال من كاف الخطاب في { إليك } و " إن " مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف .

والضمير في قوله { مِن قَبْلِهِ } يعود إلى الإِيحاء المفهوم من قوله { أَوْحَيْنَآ } .

والمعنى : نحن نقص عليك أحسن القصص بسبب ما أوحيناه إليك من هذا القرآن . والحال أنك كنت قبل إيحائنا إليك بهذا القرآن ، من الغافلين عن تفاصيل هذا القصص ، وعن دقائق أخباره وأحداثه ، شأنك في ذلك شأن قومك الأميين .

قال تعالى : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا فاصبر إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

ولما كان جسم هذه السورة قصة فقد أبرز ذكر القصص من مادة هذا الكتاب ، على وجه التخصيص :

( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ) . .

فبإيحائنا هذا القرآن إليك قصصنا عليك هذا القصص - وهو أحسن القصص - وهو جزء من القرآن الموحى به .

( وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) . .

فقد كنت أحد الأميين في قومك ، الذين لا يتوجهون إلى هذا النحو من الموضوعات التي جاء بها القرآن ، ومنها هذا القصص الكامل الدقيق .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هََذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } .

يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { نحن نقصّ عليك } ، يا محمد ، { أحسن القصص } ، بوحينا إليك هذا القرآن ، فنخبرك فيه عن الأخبار الماضية ، وأنباء الأمم السالفة ، والكتب التي أنزلناها في العصور الخالية . { وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلينَ } ، يقول تعالى ذكره : وإن كنت ، يا محمد ، من قبل أن نوحيه إليك لمن الغافلين عن ذلك ، لا تعلمه ولا شيئا منه . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ } ، من الكتب الماضية وأمور الله السالفة في الأمم ، { وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغافِلينَ } .

وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسألة أصحابه إياه أن يقصّ عليهم . ذكر الرواية بذلك :

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا حكام الرازي ، عن أيوب ، عن عمرو الملائي ، عن ابن عباس ، قال : قالوا : يا رسول الله ، لو قصصت علينا ، قال : فنزلت : { نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ } .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن ، عن عمرو بن قيس ، قال : قالوا : يا نبيّ الله ، فذكر مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، قال : ملّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَلّةً ، فقالوا : يا رسول الله حدّثنا فأنزل الله عزّ وجل : { أللّهُ نَزّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ } . ثم ملوا ملة أخرى ، فقالوا : يا رسول الله حدّثنا فوق الحديث ودون القرآن ، يعنون : القصص . فأنزل الله : { الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ إنّا أنْزَلْناهُ قُرآنا عَرَبِيّا لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أوْحَيْنا إلَيْكَ هَذَا القُرآنَ وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغافِلِينَ } . فأرادوا الحديث ، فدلهم على أحسن الحديث . وأرادوا القصص ، فدلهم على أحسن القصص .

حدثنا محمد بن سعيد العطار ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : أخبرنا خلاد الصفار ، عن عمرو بن قيس ، عن عمرو بن مرة ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد ، قال : أنزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم القرآن ، قال : فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله ، لو قصصت علينا ، فأنزل الله : { الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ . . . } ، إلى قوله : { لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ . . . } ، الآية . قال : ثم تلاه عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله ، لو حدثتنا ، فأنزل الله تعالى : ا{ للّهُ نَزّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابا مُتَشابِها } ، قال خلاد : وزادوا فيه رجلاً آخر ، قالوا : يا رسول الله ، أو قال أبو يحيى : ذهبت من كتابي كلمة ، فأنزل الله : { أَلمْ يَأنِ للّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ } .