قال - تعالى - : { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } .
الاستفهام للانكار والتوبيخ . ويهد : أى يتبين ، يقال : هداه السبيل أو الشىء وهداه إليه ، إذا دله عليه وبينه له .
أى : أو لم يتبين لهؤلاء الذين يعيشون على تلك الأرض التي ورثوها بعد أهلها المهلكين ، أننا في قدرتنا أن ننزل بهم العذاب بسبب ذنوبهم كما أنزلناه بأولئك المهلكين .
والمراد بالذين يرثون الأرض من بعد أهلها ، أهل مكة ومن حولها الذين أرسل النبى صلى الله عليه وسلم لهدايتهم . وقيل المراد بهم الأحياء في كل زمان ومكان الذين يخلفون من سبقهم من الأمم .
قال الجمل : وفاعل { يَهْدِ } فيه وجوه أظهرها : أنه المصدر المؤول من أن وما في حيزها والمفعول محذوف . والتقدير : أو لم يهدى أى يبين ويوضح للوارثين مآلهم وعاقبة أمرهم إصابتنا إياهم بذنوبهم لو شئنا ذلك .
وقوله : { وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } جملة مستأنفة لإثبات حصول الطبع على قلوبهم .
أى : ونحن نطبع على قلوبهم ونختم عليها ، بسبب اختيارهم الكفر على الإيمان ، فهم لذلك لا يسمعون الحكم والنصائح سماع تفقه وتدبر واتعاظ .
والذى يتأمل في الآيات السابقة يراها تحذر الناس بأساليب متنوعة حكيمة من الغفلة عن العظات والعبر ، وتحضهم على التخلص من الأمن الكاذب ، والشهوات المردية . والمتع الزائلة .
وما يريد القرآن بهذا أن يعيش الناس قلقين ، يرتجفون من الهلاك والدمار أن يأخذهم في لحظة من ليل أو نهار .
كلا ، ما يريد منهم ذلك لأن القلق الدائم من المستقبل ، يشل طاقة البشر ، وقد ينتهى بهم إلى اليأس من العمل والإنتاج وتنمية الحياة .
وإنما الذي يريد القرآن منهم أن يتعظوا بآيات الله في كونه ، وأن يكونوا دائماً على صلة طيبة به ، وأن يبتغوا فيما آتاهم الله من فضله الدار الآخرة دون أن ينسوا نصيبهم من الدنيا ، والا يغتروا بطراوة العيش ، ورخاء الحياة ، وقوة الجاه ، كى لا يقودهم ذلك إلى الفساد والطغيان ، والاستهتار والانحلال .
وإذا كان القرآن في هذه الآية قد حذرو أنذر ، فلأنه يعالج كل أمة وجماعة بالطب الذي يناسبها ويلائمها ، فهو يعطيها جرعات من الأمن والثقة والطمأنينة حين يرسخ الإيمان في قلوب أبنائها ، وحين يراقبون خالقهم في سرهم وعلنهم ، ويشكرونه على نعمه ، وهو يعطيها جرعات من التحذير والتخويف ، حين تستولى الشهوات على النفوس ، وحين تصبح الدنيا بمتعها ولذائذها المطلب الأكبر عند الناس .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } . .
يقول : أو لم يبين للذين يستخلفون في الأرض بعد هلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها ، فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم ، وعتوا عن أمر ربهم أنْ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهُمْ بِذُنُوبهِمْ يقول : إن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم ، فأخذناهم بذنوبهم ، وعجّلنا لهم بأسنا كما عجلناه لمن كان قبلهم ممن ورثوا عنه الأرض ، فأهلكناهم بذنوبهم . وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ يقول : ونختم على قلوبهم فهم لا يَسْمَعونَ موعظة ولا تذكيرا سماع منتفع بهما .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أوَ لمْ يَهْدِ قال : يبّين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أوَ لَمْ يَهْدِ أو لم يبين .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : أو لَمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها يقول : أو لم يبين لهم .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أوَ لَمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها يقول : أو لم يتبين للذين يرثون الأرض من بعد أهلها هم المشركون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوَ لَمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها أو لم نبين لهم ، أنْ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ قالوا : والهدى : البيان الذي بعث هاديا لهم مبينا لهم ، حتى يعرفوا ، ولولا البيان لم يعرفوا .
{ أوَلم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها } أي يخلفون من خلا قبلهم ويرثون ديارهم ، وإنما عدي يهد باللام لأنه بمعنى يبين . { أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم } أن الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم ، وهو فاعل يهد ومن قرأه بالنون جعله مفعولا . { ونطبع على قلوبهم } عطف على ما دل عليه ، أو لم يهد أي يغفلون عن الهداية أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع ، و لا يجوز عطفه على أصبناهم على أنه بمعنى وطبعنا لأنه في سياقه جواب لولا فضائه إلى نفي الطبع عنهم { فهم لا يسمعون } سماع تفهم واعتبار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.