التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (81)

وبعد أن نزه - سبحانه - الأنبياء عن أن يقولوا قولا أو يأمروا بأمر لم يأذن به الله ، أتبع ذلك ببيان الميثاق الذى أخذه الله - تعالى - عليهم ، فقال - سبحانه - : { وَإِذْ أَخَذَ . . . . } .

قوله - تعالى - { وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين } الظرف " إذ " منصوب بفعل مقدر تقديره اذكر ، والخطاب فيه للنبى صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للخطاب .

والميثاق : هو العقد المؤكد بيمين .

اى : اذكر يا محمد أو أيها المخاطب وقت أن أخذ الله الميثاق من النبيين .

وللمفسرين فى تفسير هذه الآية الكريمة أقوال أشهرها قولان :

أولهما : وهو رأى جمهور العلماء - أن المراد أن الله - تعالى - أخذ الميثاق من النبيين .

وثانيهما : وهو رأى بعض العلماء - أن المراد أن الأنبياء هم الذين أخذوا الميثاق من غيرهم .

والمعنى على رأى فريق من أصحاب القول الول-منهم الحسن والسدى وسعيد بن جبير- :

أن الله - تعالى - أخذ الميثاق من النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً ، وأخذ العهد على كل نبى أن يؤمن بمن يأتى بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه ؛ فإن لم يدركه يأمر قومه بنصرته إن أدركوه . فأخذ - سبحانه - الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى ، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد - صلوات الله وسلامه عليهم جميعا - وإذا كان حكم الأنبياء ، كانت الأمم بذلك أولى وأحرى .

والمعنى على رأى فريق من أصحاب هذا القول منهم على وابن عباس وقتادة : أن الله - تعالى - أخذ الميثاق من النبيين أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا أدركوه ، وأن يأمروا أقوامهم بالإيمان به .

قالوا : يؤيد هذا ما أخرجه ابن جرير عن على بن أبى طالب قال : لم يبعث الله بنياً : آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم لئن بعث وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه ، ويأمره فيأخذ العهد على قومه . ثم تلا الآية " .

فكأن اصحاب هذا القول الأول متفقون فيما بينهم عن أن الميثاق إنما أخذه الله من النبيين إلا أن بعضهم يرى أن هذا الميثاق أخذه الله منهم لكى يصدق بعضهم بعضا والبعض الآخر يرى أن هذا الميثاق أخذه الله منهم فى شأن محمد صلى الله عليه وسلم خاصة .

قال ابن كثير ما ملخصه . وما قاله الحسن ومن معه لا يضاد ما قاله على وابن عباس ولا ينفيه ، بل يستلزمه ويقتضيه . . . . وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن ثابت قال : " جاء عمر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : إنى مررت بأخ لى من بنى قريظة ، فكتب لى جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ قال : فتغير وجه النبى صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت : فقلت له : ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا . قال : فسري عن النبى صلى الله عليه وسلم وقال : " والذى نفسى بيده لو أصبح فيكم موسى - عليه السلام - ثم اتبعتموه وتركتمونى لضللتم ، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين " " .

وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا . وإنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق ، وإنه والله لو كان موسى حيًّا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعنى " وفى بعض الأحاديث : " لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي " .

فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم " هو الإمام الأعظم الذى لو وجد فى أى عصر وجد - كان هو الواجب الطاعة المقدم على الأنبياء كلهم " .

هذا هو معنى الجملة الكريمة عند أصحاب الرأى الأول الذين يرون أن الله - تعالى - أخذ الميثاق من النبيين . وأصحاب هذا الرأى كما سبق أن بيناهم جمهور العلماء .

أما أصحاب الرأى الثانى الذين يرون أن المراد من الآية أن الأنبياء هم الذين أخذوا الميثاق من غيرهم ، فالمعنى عليه .

واذكر يا محمد أو أيها المخاطب وقت أن أخذ الأنبياء العهد على أقوامهم بأنه إذا بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأدركوه فعليهم أن يؤمنوا به ويصدقوه وينصروه فكأن معنى الآية : واذكر وقت أن أخذ الله الميثاق الذى وثق الأنبياء على أقوامهم .

هذا ، وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذين الرأيين وغيرهما فقال :

" ميثاق النبيين " فيه غير وجه :

أحدهما : أن يكون على ظاهره من أخذ الميثاق على النبيين بذلك .

والثانى : أن يضيف الميثاق إلى النبيين إلى الموثق لا إلى الموثق عليه ، كما تقول : ميثاق الله وعهد الله كأنه قيل : وإذ أخذ الله الميثاق الذى وثقه النبيون على أممهم .

والثالث : أن يراد ميثاق أولاد النبيين وهم بنو إسرائيل على حذف المضاف .

والرابع : أن يراد أهل الكتاب وأن يرد زعمهم تهكما بهم ؛ لأنهم كانوا يقولون : نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب ، ومنا كان النبيون " .

والذى تسكن إليه النفس فى معنى الآية . هو الرأى الأول الذى قال به جمهور العلماء ، وذلك لأن الآيات الكريمة مسوقة - كما يقول الفخر الرازى لتعديد تقرير الأشياء المعروفة عند أهل الكتاب ، مما يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قطعاً لعذرهم ، وإظهاراص لعنادهم ، ومن جملة هذه الأشياء ما ذكره - سبحانه - فى هذه الآية . وهو أنه - تعالى - أخذ الميثاق من الأنبياء بأنهم كلما جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه ، وأخبر أنهم قبلوا ذلك ، وحكم - سبحانه - بأنه من رجع عن ذلك كان من الفاسقين .

فحاصل الكلام أنه - تعالى - أوجب على جميع الأنبياء الإيمان بكل رسول جاء مصدقا لما معهم ، ولا شك أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد جاء مصدقا لما معهم فوجب على الجميع أن يؤمنوا به " .

ولأن هذا المعنى هو الظاهر من الآية الكريمة . ولا تحتاج إلى تقدير مضاف أو غيره ، والأخذ بالمعنى الظاهر الذى لا يحتاج إلى تقدير أولى من الأخذ بغيره .

ولأن أخذ العهد على الأنبياء بأن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أعلى وأشرف لقدره صلى الله عليه وسلم من أخذه على أممهم وأقوامهم .

ولأن أخذ العهد على الأنبياء أخذ له على الأمم ، إذ كل أمة يجب أن تصدق بما جاءها به نبيها .

واللام فى قوله - تعالى - { لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } قرأها الجمهور بالفتح . وقرأها حمزة بالكسر .

أما قراءة الفتح فلها وجهان :

أولهما : أن تجعل " ما " اسم موصول مبتدأ ، وما بعده صلة له ، وخبر قوله { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ } .

والتقدير : واذكر وقت أن أخذ الله ميثاق النبيين قائلا لهم : الذى آتيتكم إياه من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما أوتيتموه لتؤمنن بهذا الرسول ولتنصرنه . وعلى هذا الوجه تكون اللام فى قوله " لما " للابتداء وحسن دخولها هنا لأن قوله { لَمَآ آتَيْتُكُم } فى مقام المقسم عليه ، وقوله { وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين } فى مقام القسم ، إذ هو بمنزلة الاستحلاف تقول : أخذت ميثاقك لتفعلن كذا فكأنك قلت : استحلفتك لتفعلن كذا . .

وثانيهما : أن تجعل " ما " ههنا ، اسم شرط جازم في موضع نصب بآتيتكم .

والتقدير : ما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ، لتؤمنن به ولتنصرنه .

وعلى هذا الوجه يكون فعل الشرط مكونا من جملتين :

الأولى : { آتَيْتُكُم } .

والثانية : { ثُمَّ جَآءَكُمْ } وهما معا فى محل جزم بما الشرطية . وقوله { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ } جواب القسم الذى تضمنه قوله : { وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين } وجواب الشرط محذوف ، لأن القاعدة النحوية أنه إذا اجتمع شرط . وقسم فالجواب المذكور للسابق منهما وجواب اللاحق محذوف وهنا السابق هو القسم . قال ابن مالك :

واحذف لدى اجتماع شرط وقسم . . . جواب ما أخرت فهو ملتزم

وأما على قراءة الكسر التى قرأها حمزة فتكون اللام للتعليل كأنه قيل : اذكر وقت أن أخذ الله ميثاق النبيين ، لأن إيتاءهم الكتاب والحكمة ، ثم مجىء من يصدقهم يوجب عليهم الإيمان بهذا الرسول المصدق لما معهم ويوجب عليهم نصرته .

والمراد بالكتاب : ما أنزله الله - تعالى - على هؤلاء النبيين من كتب تنطق بالحق .

والمراد بالحكمة : الوحى الوارد بالتكاليف المفصلة التى لم يشتمل عليها الكتاب .

أو المراد بها العلم النافع الذى أعطاه - سبحانه - لهم ، ووفقهم للعمل به .

و { مِّن } فى قوله { مِّن كِتَابٍ } للبيان .

قال القرطبى : والمراد بالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم واللفظ وإن كان نكرة فالإشارة إلى معين ، كقوله - تعالى - { وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً } إلى قوله - تعالى - { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ } فأخذ الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وينصروه إن أدركوه ، وأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم " .

ثم حكى - سبحانه - ما قاله لهم بعد أن أمرهم بالإيمان بهذا الرسول وبنصرته فقال : { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي } ؟ .

والإصر : العهد . وأصله من الإصار - أى الحبال التى يعقد بها الشىء ويشد - وسمى العهد إصرا لأنه تقوى به الأقوال والعقود .

أى - قال الله - تعالى - لنبيين : أأقررتم بهذا الذى أمرتكم به وقبلتم عهدى ؟ والاستفهام للتقرير والتوكيد عليهم لاستحالة معناه الحقيقي فى حقه - سبحانه - .

ثم حكى - سبحانه - ما أجاب به الرسل وما ورد به عليهم فقال : { قالوا أَقْرَرْنَا قَالَ فاشهدوا وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين } .

أى : قال الرسل مجيبين لخالقهم - عز وجل - أقررنا يا ربنا وقبلنا عهدك وأطعناه .

فرد عليهم - سبحانه - بقوله : { فاشهدوا } أى فليشهد بعضكم على بعض بهذا الإقرار ، وأنا على إقراركم وإشهاد بعضكم على بعض من الشاهدين .

وهذا توكيد عليهم ، وتحذير من الرجوع .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (81)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنصُرُنّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوَاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ الشّاهِدِينَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : واذكروا يا أهل الكتاب إذ أخذ الله ميثاق النبيين ، يعني حين أخذ الله ميثاق النبيين ، وميثاقهم : ما وثقوا به على أنفسهم طاعة الله فيما أمرهم ونهاهم . وقد بينا أصل الميثاق باختلاف أهل التأويل فيه بما فيه الكفاية . { لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ } اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق¹ { لَمَا آتَيْتُكُمْ } بفتح اللام من

«لما » ، إلا أنهم اختلفوا في قراءة آتيتكم ، فقرأه بعضهم { آتَيْتُكُمْ } على التوحيد ، وقرأه آخرون : «آتيناكم » ، على الجمع .

ثم اختلف أهل العربية إذا قرىء ذلك كذلك ، فقال بعض نحويي البصرة : اللام التي مع «ما » في أوّل الكلام لام الابتداء ، نحو قول القائل : لزيد أفضل منك ، لأن «ما » اسم ، والذي بعدها صلة لها ، واللام التي في : { لَتُوءْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ } لام القسم ، كأنه قال : والله لتؤمننّ به ، يؤكد في أول الكلام وفي آخره ، كما يقال : أما والله أن لو جئتني لكان كذا وكذا ، وقد يستغنى عنها فيؤكد في لتؤمننّ به باللام في آخر الكلام ، وقد يستغنى عنها ، ويجعل خبر «ما آتيتكم من كتاب وحكمة » ، «لتؤمننّ به » ، مثل : «لعبدالله والله لا آتينه » ، قال : وإن شئت جعلت خبر «ما » «من كتاب » يريد : لما آتيتكم كتابٌ وحكمة ، وتكون «من » زائدة . وخطّأ بعض نحويي الكوفيين ذلك كله ، وقال : اللام التي تدخل في أوائل الجزاء لا تجاب بما ولا «لا » فلا يقال لمن قام : لا تتبعه ، ولا لمن قام : ما أحسن ، فإذا وقع في جوابها «ما » و«لا » علم أن اللام ليست بتوكيد للأولى ، لأنه يوضع موضعها «ما » و«لا » ، فتكون كالأولى ، وهي جواب للأولى . قال : وأما قوله : { لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ } بمعنى إسقاط «من » غلط ، لأن «من » التي تدخل وتخرج لا تقع مواقع الأسماء ، قال : ولا تقع في الخبر أيضا ، إنما تقع في الجحد والاستفهام والجزاء .

وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية على قراءة من قرأ ذلك بفتح اللام بالصواب أن يكون قوله : { لَمَا } بمعنى : لمهما ، وأن تكون «ما » حرف جزاء أدخلت عليها اللام ، وصير الفعل معها على فَعَل ، ثم أجيبت بما تجاب به الأيمان ، فصارت اللام الأولى يمينا إذ تلقيت بجواب اليمين .

وقرأ ذلك آخرون : «لِما آتَيْتُكُمْ » بكسر اللام من «لما » ، وذلك قراءة جماعة من أهل الكوفة .

ثم اختلف قارئوا ذلك كذلك في تأويله ، فقال بعضهم : معناه إذا قرىء كذلك : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين للذي آتيتكم ، فما على هذه القراءة بمعنى : الذي عندهم . وكان تأويل الكلام : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين من أجل الذي آتاهم من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم رسول : يعني : ثم إن جاءكم رسول ، يعني ذكر محمد في التوراة ، لتؤمنن به ، أي ليكونن إيمانكم به للذي عندكم في التوراة من ذكره .

وقال آخرون منهم : تأويل ذلك إذا قرىء بكسر اللام من «لِما » . وإذ أخذ الله ميثاق النبيين للذي آتاهم من الحكمة ، ثم جعل قوله : لتؤمنن به من الأخذ ، أخذ الميثاق ، كما يقال في الكلام : أخذت ميثاقك لتفعلن لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف . فكان تأويل الكلام عند قائل هذا القول : وإذا استحلف الله النبيين للذي آتاهم من كتاب وحكمة ، متى جاءهم رسول مصدق لما معهم ليؤمننّ به ولينصرنه .

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ : { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ } بفتح اللام ، لأن الله عز وجلّ أخذ ميثاق جميع الأنبياء بتصديق كل رسول له ابتعثه إلى خلقه فيما ابتعثه به إليهم ، كان ممن آتاه كتابا ، أو من لم يؤته كتابا . وذلك أنه غير جائز وصف أحد من أنبياء الله عزّ وجلّ ورسله ، بأنه كان ممن أبيح له التكذيب بأحد من رسله . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان معلوما أن منهم من أنزل عليه الكتاب ، وأن منهم من لم ينزل عليه الكتاب ، كان بيّنا أن قراءة من قرأ ذلك : «لِمَا آتَيْتُكُمْ » بكسر اللام ، بمعنى : من أجل الذي آتيتكم من كتاب ، لا وجه له مفهوم إلا على تأويل بعيد ، وانتزاع عميق .

ثم اختلف أهل التأويل فيمن أخذ ميثاقه بالإيمان بمن جاءه من رسل الله مصدّقا لما معه ، فقال بعضهم : إنما أخذ الله بذلك ميثاق أهل الكتاب ، دون أنبيائهم ، واستشهدوا لصحة قولهم بذلك بقوله : { لَتُؤْمِنَنّ بِه وَلتَنْصُرَنّهُ } قالوا : فإنما أمر الذين أرسلت إليهم الرسل من الأمم بالإيمان برسل الله ، ونصرتها على من خالفها . وأما الرسل فإنه لا وجه لأمرها بنصرة أحد ، لأنها المحتاجة إلى المعونة على من خالفها من كفرة بني آدم ، فأما هي فإنها لا تعين الكفرة على كفرها ولا تنصرها . قالوا : وإذا لم يكن غيرها وغير الأمم الكافرة ، فمن الذي ينصر النبيّ ، فيؤخذ ميثاقه بنصرته ؟ ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ } قال : هي خطأ من الكاتب ، وهي في قراءة ابن مسعود : «وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّينَ } يقول : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ، وكذلك كان يقرؤها الربيع : «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب » ، إنما هي أهل الكتاب ، قال : وكذلك كان يقرؤها أبيّ بن كعب ، قال الربيع : ألا ترى أنه يقول : { ثُمّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّق لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنَنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ } يقول : لتؤمننّ بمحمد صلى الله عليه وسلم ولتنصرنه ، قال : هم أهل الكتاب .

وقال آخرون : بل الذين أخذ ميثاقهم بذلك الأنبياء دون أممها . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى وأحمد بن حازم قالا : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّينَ } أن يصدّق بعضهم بعضا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ } . . . الآية ، قال : أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء ليصدقنّ وليؤمننّ بما جاء به الآخِر منهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : لم يبعث الله عزّ وجلّ نبيا ، آدم فمن بعده ، إلا أخذ عليه العهد في محمد : لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنه ، ويأمره فيأخذ العهد على قومه ، فقال : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ } . . . الآية .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ } . . . الآية ، هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدّق بعضهم بعضا ، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته . فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم ، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويصدّقوه وينصروه .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ } . . . الآية . قال : لم يبعث الله عزّ وجلّ نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ ميثاقه : ليؤمننّ بمحمد ، ولينصرنه إن خرج وهو حيّ ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ، ولينصرنه إن خرج وهم أحياء .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا عباد بن منصور قال : سألت الحسن ، عن قوله : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِن كِتابٍ وَحِكْمَةٍ } . . . الآية كلها ، قال : أخذ الله ميثاق النبيين : ليبلغنّ آخركم أولكم ولا تختلفوا .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنه ميثاق النبيين وأممهم ، فاجتزأ بذكر الأنبياء عن ذكر أممها ، لأن في ذكر أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على التباع ، لأن الأمم هم تبّاع الأنبياء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ثم ذكر ما أخذ عليهم ، يعني على أهل الكتاب ، وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه ، يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم ، وإقرارهم به على أنفسهم ، فقال : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ } . . . إلى آخر الآية .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : ثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .

وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : الخبر عن أخذ الله الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضا ، وأخذ الأنبياء على أممها ، وتباعها الميثاق بنحو الذي أخذ عليها ربها ، من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به ، لأن الأنبياء عليهم السلام بذلك أرسلت إلى أممها ، ولم يدّع أحد ممن صدق المرسلين أن نبيا أرسل إلى أمة بتكذيب أحد من أنبياء الله عزّ وجلّ ، وحججه في عباده ، بل كلها ، وإن كذّب بعض الأمم بعض أنبياء الله بجحودها نبوّته ، مقرّ بأن من ثبتت صحة نبوّته ، فعليها الدينونة بتصديقه فذلك ميثاق مقرّ به جميعهم . ولا معنى لقول من زعم أن الميثاق إنما أخذ على الأمم دون الأنبياء ، لأن الله عزّ وجلّ ، قد أخبر أنه أخذ ذلك من النبيين ، فسواء قال قائل : لم يأخذ ذلك منها ربها ، أو قال : لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت ، وقد نصّ الله عزّ وجلّ أنه أمرها بتبليغه ، لأنهما جميعا خبران من الله عنها ، أحدهما أنه أخذ منها ، والاَخر منهما أنه أمرها ، فإن جاز الشكّ في أحدهما جاز في الاَخر . وأما ما استشهد به الربيع بن أنس على أن المعنيّ بذلك أهل الكتاب من قوله : { لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرنّهُ } فإن ذلك غير شاهد على صحة ما قال ، لأن الأنبياء قد أمر بعضها بتصديق بعض ، وتصديق بعضها بعضا ، نصرة من بعضها بعضا .

ثم اختلفوا في الذين عنوا بقوله : { ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُوءْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ } فقال بعضهم : الذين عنوا بذلك هم الأنبياء ، أخذت مواثيقهم أن يصدّق بعضهم بعضا ، وأن ينصروه ، وقد ذكرنا الرواية بذلك عمن قاله .

وقال آخرون : هم أهل الكتاب أمروا بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعثه الله وبنصرته ، وأخذ ميثاقهم في كتبهم بذلك ، وقد ذكرنا الرواية بذلك أيضا عمن قاله .

وقال آخرون ممن قال الذين عنوا بأخذ الله ميثاقهم منهم في هذه الاَية هم الأنبياء ، قوله : { ثُمّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ } معنيّ به أهل الكتاب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر . قال : أخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : { وَإِذْ أخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ لِمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ } قال : أخذ الله ميثاق النبيين : أن يصدّق بعضهم بعضا ، ثم قال : { ثُمّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُوءْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ } قال : فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم أن يؤمنوا بمحمد ويصدّقوه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : ثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، قال : قال قتادة : أخذ الله على النبيين ميثاقهم أن يصدّق بعضهم بعضا ، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالته إلى عباده ، فبلّغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم ، وأخذوا مواثيق أهل الكتاب في كتابهم ، فيما بلغتهم رسلهم ، أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويصدّقوه وينصروه .

وأولى الأقوال بالصواب عندنا في تأويل هذه الآية : أن جميع ذلك خبر من الله عزّ وجلّ عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم به ، وألزمهم دعاء أممهم إليه والإقرار به ، لأن ابتداء الآية خبر من الله عزّ وجلّ عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم ، ثم وصف الذي أخذ به ميثاقهم ، فقال : هو كذا وهو كذا .

وإنما قلنا إن ما أخبر الله أنه أخذ به مواثيق أنبيائه من ذلك ، قد أخذت الأنبياء مواثيق أممها به ، لأنها أرسلت لتدعو عباد الله إلى الدينونة ، بما أمرت بالدينونة به في أنفسها من تصديق رسل الله على ما قدمنا البيان قبل . فتأويل الآية : واذكروا يا معشر أهل الكتاب إذ أخذ الله ميثاق النبيين لمهما آتيتكم أيها النبيون من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم رسول من عندي مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ، يقول : لتصدقنه ولتنصرنه . وقد قال السديّ في ذلك بما :

حدثنا به محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قوله : { لَمَا آتَيْتُكُمْ } يقول لليهود : أخذت ميثاق النبيين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي ذكر في الكتاب عندكم .

فتأويل ذلك على قول السديّ الذي ذكرناه : واذكروا يا معشر أهل الكتاب ، إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم أيها اليهود من كتاب وحكمة . وهذا الذي قاله السديّ كان تأويلاً لا وجه غيره لو كان التنزيل «بما آتيتكم » ، ولكن التنزيل باللام لما آتيتكم ، وغير جائز في لغة أحد من العرب أن يقال : أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم ، بمعنى : بما آتيتكم .

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أأقْرَرْتُمْ وأخَذْتُمْ على ذَلِكُمْ إِصْرِي ؟ قَالُوا أقْرَرْنا } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين بما ذكر ، فقال لهم تعالى ذكره : أأقررتم بالميثاق الذي واثقتموني عليه من أنكم مهما أتاكم رسول من عندي ، مصدّق لما معكم ، لتؤمننّ به ولتنصرنه ، { وأخَذْتُمْ على ذَلِكُمْ إِصْرِي } يقول : وأخذتم على ما واثقتموني عليه من الإيمان بالرسل التي تأتيكم بتصديق ما معكم من عندي ، والقيام بنصرتهم إصري ، يعني عهدي ووصيتي ، وقبلتم في ذلك مني ورضيتموه . والأخذ : هو القبول في هذا الموضع ، والرضا من قولهم : أخذ الوالي عليه البيعة ، بمعنى : بايعه ، وقبل ولايته ، ورضي بها . وقد بينا معنى الإصر باختلاف المختلفين فيه ، والصحيح من القول في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وحذفت الفاء من قوله : { قَالَ أأقْرَرْتُمْ } لأنه ابتداء كلام على نحو ما قد بينا في نظائره فيما مضى . وأما قوله : { قَالُوا أقْرَرْنا } فإنه يعني به : قال النبييون الذين أخذ الله ميثاقهم بما ذكر في هذه الآية : أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدّقين لما معنا من كتبك وبنصرتهم .

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ فَاشْهَدُوا وأنا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه ، قال الله : فاشهدوا أيها النبييون بما أخذت به ميثاقكم من الإيمان بتصديق رسلي التي تأتيكم بتصديق ما معكم من الكتاب والحكمة ، ونصرتهم على أنفسكم ، وعلى أتباعكم من الأمم إذ أنتم أخذتم ميثاقهم على ذلك ، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم بذلك . كما :

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن عليّ بن أبي طالب في قوله : { قَالَ فَاشْهَدُوا } يقول : فاشهدوا على أممكم بذلك ، { وأنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ } عليكم وعليهم .