الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (280)

وقوله سبحانه : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ }[ البقرة :280 ] حكم اللَّه تعالى لأرباب الربَا برُءُوس أموالهم عنْدَ الواجدين للمال ، ثم حكم في ذِي العُسْرَةِ بالنَّظَرَةِ إِلى حال اليُسْرِ ، والعُسْرُ : ضيقُ الحالِ من جهة عدمِ المالِ ، والنَّظِرَةُ : التأخيرُ .

( ت ) : وفي «الصحيحين » عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : ( كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ : إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِراً ، فَتَجَاوَزْ عَنْهُ ، لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا ، قَالَ : فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ ) ، وفي «صحيح مسلمٍ » : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ القِيَامَةِ ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ) ، وفي روايةٍ : ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً ، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ ، أنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ القِيَامَةِ ) ، وفي رواية : ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ) انتهى .

والمَيْسَرَةُ : مصدرٌ بمعنى اليُسْرِ ، وارتفع : ( ذُو عُسْرَةٍ ) بكان التامة الَّتي هي بمعنى : «وُجِدَ ، وَحَدَثَ » ، وارتفعَ قَوْلِه : ( فَنَظِرَةٌ ) ، علَى خبر ابتداءٍ مقدَّر تقديره ؛ فالواجبُ نَظِرَةٌ .

واختلف أهْلُ العلْمِ هلْ هذا الحُكْم بالنَّظِرَةِ إِلى الميسرةِ واقفٌ على أهل الربا خاصَّة ، وهو قول ابن عبَّاس ، وشُرَيْح ، أو هو منسحبٌ على كلِّ دَيْنٍ حلالٍ ، وهو قولُ جمهور العلماء .

( ع ) : وما قاله ابن عبَّاس إِنما يترتَّب ، إِذا لم يكُنْ فقر مُدْقِعٌ ، وأما مع الفقر والعُدْمِ الصريحِ ، فالحُكْمُ هي النَّظِرة ضرورةً .

( ت ) : ولا يخالف ابن عبَّاس في ذلك .

وقوله تعالى : { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } نَدَبَ اللَّه بهذه الألفاظ إِلى الصدَقَة على المُعْسِر ، وجعل ذلك خيراً من إنظاره ، قاله جمهور العلماء .

وروى سعيدُ بْنُ المُسَيَّبِ ، عن عمر بن الخَطَّاب ، أنه قَالَ : كان آخر ما نَزَلَ من القُرآن آية الربا ، وقُبِضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ولَمْ يفسِّرْها لَنَا ، فدَعُوا الرِّبَا والرِّيبَةَ .