الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ} (61)

قوله سبحانه : { وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ }[ الأنعام :61 ] .

( القاهرُ ) إنْ أُخِذَ صِفَةَ فِعْلٍ ، أي : مظهر القَهْر بالصواعقِ والرياحِ والعذابِ ، فيصحُّ أنْ تجعل { فَوْقَ } ظرفيةً للجهةِ ، لأن هذه الأشياء إنما تعاهَدَها العبادُ مِنْ فوقهم ، وإنْ أُخِذَ { القاهر } صفَةَ ذَاتٍ ، بمعنى القُدْرة والاستيلاء ، ف { فَوْقَ } : لا يجوزُ أنْ تكون للجهةِ ، وإنما هي لعلُوِّ القَدْر والشِّأن ، على حد ما تقولُ : اليَاقُوتُ فَوْقَ الحَدِيدِ ، والأحرارُ فَوْقَ العبيدِ ، و{ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ } معناه : يَبُثُّهم فيكم ، وَ{ حَفَظَةً } : جمع حَافِظٍ ، والمراد بذلكَ الملائكةُ الموكَّلون بكَتْبِ الأعمال ، ورُوِيَ أنهم الملائكةُ الَّذين قالَ فيهِمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( يَتَعاقَبُ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ) وقال السُّدِّيُّ وقتادة ، وقال بعْض المفسِّرين : ( حَفَظَةً ) يَحفظُونَ الإنسانَ مِنْ كلِّ شيءٍ ، حتى يأتي أجله ، والأول أظهر .

وقرأ حمزةُ وحْده : ( تَوَفَّاهُ ) .

وقوله تعالى : { رُسُلُنَا } : يريد به ، على ما ذكر ابنُ عباس ، وجميعُ أهل التأويل : ملائكةً مقترنينَ بمَلَكِ المَوْت ، يعاونونه ، ويَأْتَمِرُونَ له .