الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

قوله تعالى : { قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ . . . } [ الأنعام :65 ] .

هذا إخبارٌ يتضمَّن الوعيدَ ، والأظهرُ مِنْ نَسَقِ الآياتِ : أنَّ هذا الخطابَ للكفَّار الذين تَقَدَّم ذكرهم ، وهو مَذْهَبُ الطبريِّ .

وقال أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ ، وجماعة : هو للمؤمِنِينَ ، وهم المرادُ ، وهذا الاختلافُ إنما هو بحَسَبِ ما يَظْهَرُ منْ أنَّ الآية تتناوَلُ معانِيهَا المشركِينَ والمؤمنينَ ، وفي «البخاريِّ » ، وغيره مِنْ حَدِيثِ جابرٍ ، وغيره : " أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، لما نزلَتِ الآيةُ : { قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } ، قَالَ : أَعُوذُ بِوَجْهِكَ ، فلما نزلَتْ : { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } ، قَالَ : أَعُوذُ بِوَجْهِكَ ، فلما نزلَتْ : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال : هذه أهونُ أو أيَسر ) . فاحتج بهذا الحديثِ مَنْ قال : إنَّها نَزَلَتْ فِي المؤمنينَ ، قال الطَّبريُّ ، وغيره : مُمْتَنِعٌ أنْ يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم تعوَّذ لأمَّته مِنْ هذه الأشياءِ الَّتي توعَّد بها الكُفَّار ، وهَوَّنَ الثالثةَ ، لأنَّها بالمعنى هي التي دعا فيها ، فمنع حسب حديثِ «المُوطَّأ » وغيره ، و{ مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } : لفظٌ عامٌّ للمنطبقِينَ علَىَ الإنسان ، وقال السُّدِّيُّ ، عن أبي مالِكٍ : { مِّن فَوْقِكُمْ } : الرَّجْم ، { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } : الخَسْف ، وقاله سعيدُ بن جُبَيْر ، ومجاهد .

وقوله سبحانه : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } : معناه : يخلِّطكم فِرَقاً ، والبأْسُ : القَتْل ، وما أشبهه من المَكَارِهِ ، وفي قوله تعالى : { انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات } : استرجاعٌ لهم ، وإنْ كان لفظها لَفْظَ تعجيب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فمضمَّنها أنَّ هذه الآياتِ والدلائلَ ، إنما هي لاستصرافهم عن طريقِ غَيِّهم ، والفِقْهُ : الفَهْمُ .