الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةٗ لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (63)

قوله تعالى : { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظلمات البر والبحر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً . . . } [ الأنعام :63 ]

هذا تَمَادٍ في توبيخِ العادِلِينَ باللَّه الأوثانَ ، وتركِهِمْ عبادَةَ الرَّحْمَنِ ، الذي يُنْجِي من الهَلَكَاتِ ، ويُلْجَأُ إلَيْه في الشَّدَائد ، ودَفْعِ الملمَّاتِ ، و{ ظلمات البر والبحر } يريدُ بها شدائِدَهُما ، فهو لفظٌ عامٌّ يستغرقُ ما كان مِنَ الشدائدِ ، بظلمةٍ حقيقيةٍ ، وما كان بغَيْر ظلمةٍ ، والعَرَبُ تقول : عَامٌ أَسْوَدُ ، ويَوْمٌ مُظْلِمٌ ، ويَوْمٌ ذو كواكِبَ ، يريدُونَ به الشِّدَّة ، قال قتادة وغيره : المعنى مِنْ كَرْبِ البَرِّ والبَحْرِ ، و( تَدْعُونَهُ ) : في موضعِ الحالِ ، والتَّضَرُّعُ : صفَةٌ باديةٌ على الإنسانِ ، و( خُفْيَة ) : معناه الاختفاء ، وقرأ عاصمٌ في رواية أبي بَكْر : ( وخِفْيةَ ) بكسر الخاء ، وقرأ الأعمشُ : ( وخِيفَةً ) ، من الخَوْف .