فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{هُنَالِكَ تَبۡلُواْ كُلُّ نَفۡسٖ مَّآ أَسۡلَفَتۡۚ وَرُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (30)

{ هُنَالِكَ } في ذلك المقام وفي ذلك الموقف أوفى ذلك الوقت على استعارة اسم المكان للزمان { تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ } تختبر وتذوق { مَّا أَسْلَفَتْ } من العمل فتعرف كيف هو ، أقبيح أم حسن ، أنافع أم ضارّ ، أمقبول أم مردود ؟ كما يختبر الرجل الشيء ويتعرّفه ليكتنه حاله . ومنه قوله تعالى : { يَوْمَ تبلى السرائر } [ الطارق : 9 ] وعن عاصم : نبلو كلَّ نفس ، بالنون ونصب كل : أي نختبرها باختبار ما أسلفت من العمل ، فنفرق حالها بمعرفة حال عملها : إن كان حسناً فهي سعيدة ، وإن كان سيئاً فهي شقية . والمعنى : نفعل بها فعل الخابر ، كقوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ هود : 7 ] ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء وهو العذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشرّ . وقرىء : «تتلو » ، أي تتبع ما أسلفت ؛ لأنّ عمله هو الذي يهديه إلى طريق الجنة أو إلى طريق النار . أو تقرأ في صحيفتها ما قدّمت من خير أو شرّ { مولاهم الحق } ربهم الصادق ربوبيته ؛ لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة . أو الذي يتولى حسابهم وثوابهم ، العدل الذي لا يظلم أحداً . وقرىء : «الحق » بالفتح على تأكيد قوله : { رُدُّواْ إلى الله } [ الأنعام : 62 ] كقولك : هذا عبد الله الحق لا الباطل . أو على المدح كقولك : الحمد لله . أهل الحمد { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء لله . أو بطل عنهم ما كانوا يختلقون من الكذب وشفاعة الآلهة .