فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{هُنَالِكَ تَبۡلُواْ كُلُّ نَفۡسٖ مَّآ أَسۡلَفَتۡۚ وَرُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (30)

{ هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ } أي : في ذلك المكان وفي ذلك الموقف ، أو في ذلك الوقت على استعارة اسم الزمان للمكان تذوق كل نفس وتختبر جزاء ما أسلفت من العمل ، فمعنى { تبلو } : تذوق وتختبر . وقيل : تعلم . وقيل : تتبع ، وهذا على قراءة من قرأ «يتلو » بالمثناة الفوقية بإسناد الفعل إلى كل نفس ؛ وأما على قراءة من قرأ : «نبلو » بالنون ، فالمعنى : أن الله يبتلي كل نفس ويختبرها ، ويكون ما أسلفت بدلاً من كل نفس . والمعنى : أنه يعاملها معاملة من يختبرها ويتفقد أحوالها . قوله : { وَرُدُّواْ إِلَى الله مولاهم الحق } معطوف على { زيلنا } ، والضمير في { ردّوا } عائد إلى الذين أشركوا : أي ردّوا إلى جزائه ، وما أعدّ لهم من عقابه ، ومولاهم : ربهم ، والحق صفة له : أي الصادق الربوبية دون ما اتخذوه من المعبودات الباطلة ، وقرئ «الحق » بالنصب على المدح ، كقولهم الحمد لله أهل الحمد { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي : ضاع وبطل ما كانوا يفترون من أن الآلهة التي لهم حقيقة بالعبادة ، لتشفع لهم إلى الله وتقرّبهم إليه .

والحاصل أن هؤلاء المشركين يرجعون في ذلك المقام إلى الحق ، ويعترفون به ، ويقرّون ببطلان ما كانوا يعبدونه ويجعلونه إلهاً ، ولكن حين لا ينفعهم ذلك .

/خ30