البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{هُنَالِكَ تَبۡلُواْ كُلُّ نَفۡسٖ مَّآ أَسۡلَفَتۡۚ وَرُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (30)

هنالك ظرف مكان أي : في ذلك الموقف والمقام المقتضي للحيرة والدهش .

وقيل : هو إشارة إلى الوقت ، استعير ظرف المكان للزمان أي : في ذلك الوقت .

وقرأ الإخوان وزيد بن علي : تتلوا بتاءين أي : تتبع وتطلب ما أسلفت من أعمالها ، قاله السدي .

ومنه قول الشاعر :

إن المريب يتبع المريبا *** كما رأيت الذيب يتلو الذيبا

قيل : ويصح أن يكون من التلاوة وهي القراءة أي : تقرأ كتبها التي تدفع إليها .

وقرأ باقي السبعة : تبلوا بالتاء والباء أي : تختبر ما أسلفت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن ، أنافع أم ضار ، أمقبول أم مردود ؟ كما يتعرف الرجل الشيء باختباره .

وروي عن عاصم : نبلوا بنون وباء أي : نختبر .

وكل نفس بالنصب ، وما أسلفت بدل من كل نفس ، أو منصوب على إسقاط الخافض أي : ما أسلفت .

أو يكون نبلوا من البلاء وهو العذاب أي : نصيب كل نفس عاصية بالبلاء بسبب ما أسلفت من العمل المسيء .

وعن الحسن تبلوا تتسلم .

وعن الكلبي : تعلم .

وقيل : تذوق .

وقرأ يحيى بن وثاب : وردوا بكسر الراء ، لمَّا سكن للإدغام نقل حركة الدال إلى حركة الراء بعد حذف حركتها .

ومعنى إلى الله إلى عقابه .

وقيل : إلى موضع جزائه مولاهم الحق ، لا ما زعموه من أصنامهم ، إذ هو المتولي حسابهم .

فهو مولاهم في الملك والإحاطة ، لا في النصر والرحمة .

وقرىء الحق بالنصب على المدح نحو : الحمد لله أهل الحمد .

وقال الزمخشري : كقولك هذا عبد الله الحق لا الباطل ، على تأكيد قوله : ردوا إلى الله انتهى .

وقال أبو عبد الله الرازي : وردوا إلى الله ، جعلوا ملجأين إلى الإقرار بالإلهية بعد أن كانوا في الدنيا يعبدون غير الله ، ولذلك قال : مولاهم الحق .

وضل عنهم أي : بطل وذهب ما كانوا يفترونه من الكذب ، أو من دعواهم أنّ أصنامهم شركاء لله شافعون لهم عنده .