قوله تعالى { هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت ردوا إلى الله الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون }
واعلم أن هذه الآية كالتتمة لما قبلها . وقوله : { هنالك } معناه : في ذلك المقام وفي ذلك الموقف أو يكون المراد في ذلك الوقت على استعارة اسم المكان للزمان ، وفي قوله : { تبلوا } مباحث :
البحث الأول : قرأ حمزة والكسائي { تتلوا } بتاءين ، وقرأ عاصم { نبلو كل نفس } بالنون ونصب كل والباقون { تبلوا } بالتاء والباء . أما قراءة حمزة والكسائي فلها وجهان : الأول : أن يكون معنى قوله : { تتلوا } أي تتبع ما أسلفت ، لأن عمله هو الذي يهديه إلى طريق الجنة وإلى طريق النار . الثاني : أن يكون المعنى : أن كل نفس تقرأ ما في صحيفتها من خير أو شر ومنه قوله تعالى : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } وقال : { فأولئك يقرءون كتابهم } وأما قراءة عاصم فمعناها : أن الله تعالى يقول في ذلك الوقت نختبر كل نفس بسبب اختبار ما أسلفت من العمل ، والمعنى : أنا نعرف حالها بمعرفة حال عملها ، إن كان حسنا فهي سعيدة ، وإن كان قبيحا فهي شقية ، والمعنى نفعل بها فعل المختبر ، كقوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } وأما القراءة المشهورة فمعناها : أن كل نفس نختبر أعمالها في ذلك الوقت .
البحث الثاني : الابتلاء عبارة عن الاختبار قال تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } ويقال : البلاء ثم الابتلاء أي الاختبار ينبغي أن يكون قبل الابتلاء .
ولقائل أن يقول : إن في ذلك الوقت تنكشف نتائج الأعمال وتظهر آثار الأفعال ، فكيف يجوز تسمية حدوث العلم بالابتلاء ؟
وجوابه : أن الابتلاء سبب لحدوث العلم ، وإطلاق اسم السبب على المسبب مجاز مشهور .
وأما قوله : { وردوا إلى الله مولاهم الحق } فاعلم أن الرد عبارة عن صرف الشيء إلى الموضع الذي جاء منه ، وههنا فيه احتمالات : الأول : أن يكون المراد من قوله : { وردوا إلى الله } أي وردوا إلى حيث لا حكم إلا لله على ما تقدم من نظائره . والثاني : أن يكون المراد { وردوا } إلى ما يظهر لهم من الله من ثواب وعقاب ، منبها بذلك على أن حكم الله بالثواب والعقاب لا يتغير . الثالث : أن يكون المراد من قوله : { وردوا إلى الله } أي جعلوا ملجئين إلى الإقرار بإلهيته ، بعد أن كانوا في الدنيا يعبدون غير الله تعالى ، ولذلك قال : { مولاهم الحق } أعني أعرضوا عن المولى الباطل ورجعوا إلى المولى الحق .
وأما قوله : { مولاهم الحق } فقد مر تفسيره في سورة الأنعام .
وأما قوله : { وضل عنهم ما كانوا يفترون } فالمراد أنهم كانوا يدعون فيما يعبدونه أنهم شفعاء وأن عبادتهم مقربة إلى الله تعالى ، فنبه تعالى على أن ذلك يزول في الآخرة ، ويعلمون أن ذلك باطل وافتراء واختلاق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.