فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُنَالِكَ تَبۡلُواْ كُلُّ نَفۡسٖ مَّآ أَسۡلَفَتۡۚ وَرُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (30)

{ هنالك } أي في ذلك المكان الدهش أو في ذلك الموقف الدحض أوفي ذلك الوقت على استعارة اسم المكان للزمان ، { تبلو } أي تختبر وتذوق { كل نفس } مؤمنة كانت أو كافرة ، سعيدة أو شقية جزاء { ما أسلفت } من العمل وتعاينه بكنهه متتبعة لآثاره من نفع أو ضر ، وخير أو شر ، فمعنى تبلو تذوق وتختبر وقيل تعلم وقيل تتبع فهو من التلو ، وهذا على القراءة بالفوقية بإسناد الفعل على كل نفس .

وأما على القراءة بالنون فالمعنى أن الله يبتلي كل نفس ويختبرها وإنه يعاملها معاملة من يختبرها ويتفقد أحوالها ، ويجوز أن يراد يصيب بالبلاء أي العذاب كل نفس عاصية بسبب كما أسلفت من الشر والبلية والبلاء والبلوى واحد ، والجمع البلايا ومعنى الكل الاختبار .

أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يمثل لهم يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونهم حتى يؤدوهم النار ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { هنالك تبلو } الآية ) . وعن ابن زيد قال : تعاين كل نفس ما عملت وقرئ تتلو من التلاوة أي تقرأ كل نفس صحيفة عملها من خير أو شر .

{ وردوا } أي الذين أشركوا { إلى الله } أي إلى جزائه وما أعد لهم من عقابه والرد عبارة عن صرف الشيء إلى الموضع الذي جاء منه { مولاهم } ربهم ومالكهم { الحق } صفة له ، أي الصادق الربوبية دون ما اتخذوه من المعبودات الباطلة وقرئ بالنصب على المدح كقولهم الحمد لله أهل الحمد { وضل عنهم } أي ضاع وبطل وذهب في الموقف { ما كانوا يفترون } عليه من أن الآلهة التي لهم حقيقة بالعبادة تشفع لهم إلى الله وتقربهم إليه .

والحاصل أن هؤلاء المشركين يرجعون في ذلك المقام إلى الحق ويعترفون به ويقرون ببطلان ما كانوا يعبدونه ويجعلونه إلها ، ولكن حين لا ينفعهم ذلك . وعن السدي : قال نسخها قوله { بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } .