قوله تعالى : { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ } : في " هنالك " وجهان ، الظاهرُ بقاؤه على أصلِه مِنْ دلالته على ظرف المكان ، أي : في ذلك الموقفِ الدَّحْض والمكان الدَّهِش . وقيل : هو هنا ظرف زمان على سبيل الاستعارة ، ومثله
{ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ } [ الأحزاب : 11 ] ، أي : في ذلك الوقت وكقوله :
2593 وإذا الأمورُ تعاظَمَتْ وتشاكَلَتْ *** فهناك يَعْترفون أينَ المَفْزَعُ
وإذا أمكنَ بقاءُ الشيءِ على موضوعِه فهو أَوْلى .
وقرأ الأخَوان " تَتْلو " بتاءَيْن منقوطتين من فوق ، أي : تطلُب وتتبَع ما أسلفَتْه مِنْ أعمالها ، ومن هذا قوله :
2594 إنَّ المُريبَ يَتْبَع المُريبا *** كما رأيت الذِّيبَ يتلو الذِّيبا
أي : يَتْبَعه ويَتَطَلَّبه . ويجوز أن يكونَ من التلاوة المتعارفة ، أي : تقرأ كلُّ نفسٍ ما عَمِلَتْه مُسَطَّراً في صحف الحفظة لقوله تعالى : { يوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 49 ] ، وقوله : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَبَك } [ الإسراء : 13 ] .
وقرأ الباقون : " تَبْلو " مِن البَلاء وهو الاختبار ، أي : يَعْرف عملَها : أخيرٌ هو أم شر . وقرأ عاصم في روايةٍ " نبلو " بالنون والباءِ الموحدة ، أي : نختبر نحن . و " كل " منصوب على المفعول به . وقوله : " وما أَسْلَفَتْ " على هذه القراءةِ يحتمل أن يكونَ في محلِّ نصبٍ على إسقاطِ الخافض ، أي : بما أسْلَفَتْ ، فلمَّا سقط الخافض انتصبَ مجرورُه كقوله :
2595 تمرُّون الديار ولم تعوجوا *** كلامُكمُ عليَّ إذنْ حَرامُ
ويحتمل أن يكونَ منصوباً على البدل من " كل نفس " ويكون من بدلِ الاشتمال . ويجوز أن يكون " نَبْلو " من البلاء وهو العذاب ، أي : نُعَذِّبها بسبب ما أَسْلَفَتْ .
و " ما " يجوز أن تكونَ موصولةً اسميةً أو حرفيةً أو نكرةً موصوفة ، والعائدُ محذوفٌ على التقدير/ الأول والآخِر دون الثاني على المشهور .
وقرأ ابن وثاب " ورِدُّوا " بكسر الراء تشبيهاً للعين المضعفة بالمعتلَّة ، نحو : " قيل " و " بيع " ، ومثله :
2596 وما حِلَّ مِنْ جَهْلٍ حُبا حُلَمائِنا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بكسر الحاء ، وقد تقدَّم بيانُ ذلك بأوضحَ من هذا .
وقوله : { إِلَى اللَّهِ } لا بدَّ من مضاف ، أي : إلى جزاء الله ، أو موقفِ جزائه . والجمهور على " الحق " جَرَّاً . وقرىء منصوباً على أحد وجهين : إمَّا القطعِ ، وأصلُه أنه تابعٌ فقُطع بإضمارِ " أمدح " كقولهم : الحمدُ للَّهِ أهلِ الحمد " ، وإمَّا أنه مصدر مؤكد لمضمونِ الجملةِ المتقدمةِ وهو { وَرُدُّواْ إِلَى اللَّهِ } وإليه نحا الزمخشري ، قال : " كقولك : " هذا عبد الله الحق لا الباطل " على التأكيد لقوله { وَرُدُّواْ إِلَى اللَّهِ } . وقال مكي : " ويجوز نصبه على المصدر ولم يُقْرأ به " ، قلت : كأنه لم يَطَّلِعْ على هذه القراءة .
وقوله : { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } " ما " تحتمل الأوجه الثلاثة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.