فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٖ} (98)

{ فَلَوْلاَ كَانَتْ } فهلا كانت { قَرْيَةٌ } واحدة من القرى التي أهلكناها ، تابت عن الكفر وأخلصت الإيمان قبل المعاينة وقت بقاء التكليف ، ولم تأخر كما أخر فرعون إلى أن أخذ بمخنقه { فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } بأن يقبله الله منها لوقوعه في وقت الاختيار . وقرأ أبيّ وعبد الله : «فهلا كانت » { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } استثناء من القرى ؛ لأنّ المراد أهاليها ، وهو استثناء منقطع بمعنى : ولكن قوم يونس لما آمنوا . ويجوز أن يكون متصلاً والجملة في معنى النفي ، كأنه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلاّ قوم يونس ، وانتصابه على أصل الاستثناء . وقرئ بالرفع على البدل ، هكذا روي عن الجرمي والكسائي . روي أن يونس عليه السلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه ، فذهب عنهم مغاضباً ، فلما فقدوه خافوا نزول العذاب . فلبسوا المسوح ، وعجوا أربعين ليلة . وقيل : قال لهم يونس : إن أجلكم أربعون ليلة ، فقالوا : إن رأينا أسباب الهلاك آمنا بك ، فلما مضت خمس وثلاثون أغامت السماء غيماً أسود هائلاً يدخن دخاناً شديداً ثم يهبط حتى يغشى مدينتهم ويسوّد سطوحهم فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ، وفرّقوا بين النساء والصبيان ، وبين الذواب وأولادها ، فحنّ بعضها على بعض ، وعلت الأصوات والعجيج ، وأظهروا الإيمان والتوبة وتضرعوا ، فرحمهم الله وكشف عنهم ، وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة . وعن ابن مسعود : بلغ من توبتهم أن ترادّوا المظالم ، حتى إنّ الرجل كان يقتلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنائه فيردّه ، وقيل : خرجوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا : قد نزل بنا العذاب فما ترى ؟ فقال لهم : قولوا : «يا حيّ حين لا حيّ ، ويا حيّ محيي الموتى ، ويا حيّ لا إله إلاّ أنت » فقالوها فكشف عنهم . وعن الفضيل بن عياض : قالوا : «اللَّهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلّت ، وأنت أعظم منها وأجلّ ، افعل بنا ما أنت أهله ، ولا تفعل بنا ما نحن أهله » .