فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ} (261)

{ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } عن السدي : هذا لمن أنفق في سبيل الله فله سبعمائة ، وعن ابن زيد : هذا الذي ينفق على نفسه في سبيل الله ويخرج ، وعن الربيع من بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ، ورابط مع النبي بالمدينة ، ولم يلق وجها إلا بإذنه ، كانت الحسنة له بسبعمائة ضعف ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها ؛ -وهذه الآية مردودة إلى قوله { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون } والآيات التي بعدها إلى قوله { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } من قصص بني إسرائيل وخبرهم مع طالوت وجالوت وما بعد ذلك من نبإ الذي حاج إبراهيم مع إبراهيم ، وأمر الذي مر على القرية الخاوية على عروشها وقصة إبراهيم ومسألته ربه ما سأل مما قد ذكرناه من قبل ، اعتراض من الله تعالى ذكره بما اعترض به من قصصهم بين ذلك ، احتجاجا منه ببعضه على المشركين الذين كانوا يكذبون بالبعث وقيام الساعة وحضا منه ببعضه للمؤمنين على الجهاد في سبيله الذي أمرهم به في قوله { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } يعرفهم فيه أنه ناصرهم وإن قل عددهم وكثر عدد عدوهم ويعدهم النصرة عليهم ويعلمهم سنته فيمن كان على منهاجهم من ابتغاء رضوان الله أنه مؤيدهم ، وفيمن كان على سبيل أعدائهم من الكفار بأنه خاذلهم ومفرق جمعهم وموهن كيدهم وقطعا منه ببعضه عذر اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أطلع نبيه عليه من خفي أمورهم ومكتوم أسرار أوائلهم وأسلافهم التي لم يعلمها سواهم ، ليعلموا أن ما آتاهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله وأنه ليس بتخرص ولا اختلاق وإعذارا منه به إلى أهل النفاق منه ليحذروا بشكهم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يحل بهم من بأسه وسطوته مثل الذي أحلهما بأسلافهم ، الذين كانوا في القرية التي أهلكها فتركها خاوية على عروشها ثم عاد تعالى ذكره إلى الخبر عن الذي يقرض{[811]} الله قرضا حسنا وما عنده من الثواب على قرضه فقال { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } يعني بذلك مثل الذين ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهاد أعداء الله بأنفسهم وأموالهم كمثل حبة من حبات الحنطة أو الشعير أو غير ذلك من نبات الأرض التي تسنبل سنبلة بذرها زارع فأنبتت يعني فأخرجت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، يقول : فكذلك المنفق ماله على نفسه في سبيل الله أجره سبعمائة ضعف على الواحد من نفقته- {[812]} في صحيح البيان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلا تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لتأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة ) وفي رواية بلفظ : جاء رجل بناقة مخطومة فقال : يا رسول الله هذه في سبيل الله فقال ( لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة ) [ { والله يضاعف } أي تلك المضاعفة { لمن يشاء } لا لكل منفق لتفاوت أحوال المنفقين في الإخلاص أو يضاعف بسبعمائة ويزيد عليها أضعافا لمن يستحق ذلك في مشيئته ]{[813]} ؛ { والله واسع } فضله يتسع وليس له حد ففيضه أكثر من خلقه { عليم } من يستحق منهم الزيادة عليم بما ينفق الذين ينفقون أموالهم في طاعته .


[811]:مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن: واستدعاء القرض.. إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه والله هو الغني الحميد لكنه تعالى شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء وقيل المراد بالآية الحث على الصدقة وإنفاق المال على الفقراء والمحتاجين والتوسعة عليهم. وفي سبيل الله بنصرة الدين وكنى سبحانه عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا في الصدقة كما كنى على المريض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة عن النقائص والآلام. ففي صحيح الحديث إخبارا عن الله تعالى: (يا بن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني قال رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استقاك عبدي فلان فلن تسقه أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي) وكذا فيما قبل. أخرجه مسلم والبخاري وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كنى عنه ترغيبا لمن خوطب به... قرض الآدمي للواحد واحد أي يرد عليه مثل ما أقرضه وأجمع أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل ما له مثل لا سائر الأطعمة جائز.. ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذ لم يشترط ذلك عليه لأن ذلك من باب المعروف استدلالا بحديث أبي هريرة في البكر (إن خياركم أحسنكم قضاء) رواه الأئمة البخاري ومسلم وغيرهما فأثنى على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة. وكذلك قضى هو في البكر وهو الفتى المختار من الإبل جملا خيارا رباعيا والخيار: المختار والرباعي هو الذي دخل في السنة الرابعة وهذا دليل على جواز قرض الحيوان وهو مذهب الجمهور ومنع من ذلك أبو حنيفة..1هـ.
[812]:من جامع البيان.
[813]:ما بين العلامتين [] مما أورد النيسابوري بتصرف يسير.