فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية

وآياتها اثنتا عشر ومائة

كلماتها : 1178 ؛ حروفها : 4890

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ

{ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ { 1 ) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ { 2 ) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ { 3 ) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { 4 ) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ { 5 ) مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ { 6 ) }

دنا للناس وقت بعثهم من قبورهم ، وسوقهم إلى ربهم ، وسؤالهم عن أقوالهم وأفعالهم ونياتهم ، ومجازاتهم بما قدموا في حياتهم ، وهم في سهو وجهالة عما يفعل بهم ، وقد أعرضوا عن ذلك فتركوا الفكر فيه ، والاستعداد له {[2105]} والتزود بما ينجي من أحواله وأهواله إن شاء الله ؛ [ فإن قيل : كيف وصف بالاقتراب وقد مضى دون هذا القول مئات من الأعوام ؟ فالجواب : أن كل ما هو آت قريب . . . ومما يدل على أن الباقي . . . أقل من الماضي قوله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين " - وأشار بالسبابة والتي تليها ؛ وفي ذكر هذا الاقتراب تنبيه للغافلين ، وزجر للمذنبين ، فالمراد بالناس : كل من له مدخل في الحساب وهم جميع المكلفين ؛ وما روى ابن عباس أن المراد بالناس : المشركون ، فمن باب إطلاق اسم الجنس على بعضه بالدليل القائم ، وهو ما يتلوه من صفات المشركين من الغفلة والإعراض وغيرهما ]{[2106]} . { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون . لاهية قلوبهم ] مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن : { محدث } نعت ل{ ذكر } . . . يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة ، وآية بعد آية ، كما ينزله الله تعالى في وقت بعد وقت ؛ لا أن القرآن مخلوق ؛ وقيل : الذكر : ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به ؛ وقال : { من ربهم } لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر ، وهو محدث ؛ قال الله تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر ){[2107]} . . . { إلا استمعوه } يعني محمد صلى الله عليه وسلم ، أو القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أمته { وهم يلعبون } الواو : واو الحال يدل عليه { لاهية قلوبهم } ومعنى : { يلعبون } أي يلهون . . فإن حمل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به وجهين : أحدهما بلذاتهم ؛ الثاني بسماع ما يتلى عليهم ؛ وإن حمل تأويله على الشغل احتمل ما يتشاغلون به وجهين : أحدهما بالدنيا لأنها لعب ؛ كما قال تعالى . { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو . . ){[2108]} ؛ الثاني يتشاغلون بالقدح فيه ، والاعتراض عليه . . . اه


[2105]:ما بين العارضتين من جامع البيان.
[2106]:ما بين العلامتين مقتبس مما أورد النيسابوري
[2107]:سورة الغاشية. الآية 21.
[2108]:سورة محمد. من الآية 36