فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

{ فبغى } فتجاوز الحد .

{ أتيناه } أعطيناه .

{ الكنوز } ما يكتنز ويدخر .

{ لتنوء } لتثقل .

{ العصبة } الجماعة الكثيرة .

{ أولي } أصحاب .

{ لا تفرح } لا تبطر .

{ الفرحين } البطرين .

{ *إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين76 وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين77 قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون78 فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم79 وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون80 فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين81 وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون86 }

القرآن العظيم يهدي ويثبت ويبشر ، ويعذر ويحذر وينذر ، ولقد مضت آيات كريمة في هذه السورة المباركة تذكر وتعظ ، وتبين عاقبة المؤمنين ، ومصير الطاغين ، في العاجلة وفي يوم الدين ، ففي فواتح السور : { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } ومن بعد ذلك جاءت آيات مباركة : { . . بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون }{ واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون . فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين }{ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين } ثم جاء التذكير بأن تلك سنة الله تعالى ماضية لا تنحصر في مكان ، ولا تتخلف في زمان : { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين }{ فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين } ، ثم ضرب الله تعالى مثلا للذين طغوا فأهلكوا ، ولم تغن عنهم صلتهم بالرسولين الكريمين موسى وهارون ، فاصبروا معاشر أهل الحق فإن كفار قريش وفجارها عما قليل مهزومون ، واحذروا أهل النعمة أن يفتنكم المتاع ترفا وحيفا فيبطش بكم كما بطش بقارون ، فمثلما لم تغن الجنود الكثيرة عن فرعون وهامان ولا عن أنفسها ، لم تغن الكنوز الوفيرة عن قارون ، وأنتم يا من تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا لن تكونوا أكثر من فرعون جندا وعددا ، ولا أوفر من قارون مالا وكنزا ، فاستجيبوا لربكم من قبل أن يبطش بكم ، فلا تغني عنكم أموالكم ولا أولادكم{ إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم } ظاهر القرآن الكريم أنه كان من الإسرائيليين ، فتجاوز الحد ، وتطاول عليهم ، بفسوق عن الملة ، أو جور عن القصد ، أو عدوان على الغير ، { وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة } ولقد أعطيناه مالا نبتليه ، ولا معقب لما نمضيه ، فكانت خزائن الأموال يثقل حملها الرجال- ومن المفسرين من أول المفاتيح بأنها الخزائن- أو : مفاتيح خزائن الأموال يعيا بحملها العدد من أقوياء الرجال- ومعلوم أن المال اسم لكل ما يتمول فليس بلازم أن يكون نقدا-[ { لتنوء بالعصبة } أحسن ما قيل فيه : أن المعنى : لتنيء العصبة أي تميلهم بثقلها ]{[3122]} مما يقول الألوسي : { وآتيناه من الكنوز } أي من الأموال المدخرة ، فهو مجاز يجعل المدخر كالمدفون إن كان الكنز مخصوصا به ، وحكى في البحر أنه سميت أمواله كنوزا لأنها لم تؤد منها الزكاة ، وقد أمره موسى عليه السلام بأدائها فأبى وهو من أسباب عداوته إياه . . . . { إذ قال له قومه } . . . . تعلقه بمحذوف والتقدير : أظهر التفاخر والفرح بما أوتي إذ قال له قومه{ لا تفرح } لا تبطر . . . وعلل سبحانه النهي ههنا بكون الفرح مانعا من محبته عز وجل ، فقال تعالى : { إن الله لا يحب الفرحين } فهو دليل إني على كون الفرح بالدنيا مذموما شرعا . اه ،


[3122]:ما بين العلامتين[ ] أورده القرطبي.