الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

{ ادعوهم لآبائهم } أي انسبوهم إلى الذين ولدوهم { هو أقسط عند الله } أعدل عند الله { فإن لم تعلموا آباءهم } من هم { فإخوانكم في الدين } أي فهم إخوانكم في الدين { ومواليكم } وبنو عمكم وقيل أولياؤكم في الدين { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } وهو أن يقول لغير ابنه يا بني من غير تعمد أن يجريه مجرى الولد في الميراث وهو قوله { ولكن ما تعمدت قلوبكم } يعني ولكن الجناح في الذي تعمدت قلوبكم

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

ولما كان كأنه قيل : فما تقول ؟ اهدنا إلى سبيل الحق في ذلك ، أرشد إلى أمر التبني إشارة إلى أنه هو المقصود في هذه السورة لما يأتي بعد من آثاره التي هي المقصودة{[55046]} بالذات بقوله : { ادعوهم } أي الأدعياء { لآبائهم } أي إن علموا ولداً قالوا : زيد بن حارثة ؛ ثم علله بقوله : { هو } أي هذا الدعاء { أقسط } أي أقرب إلى العدل من التبني وإن كان إنما هو لمزيد الشفقة على المتبني والإحسان إليه { عند الله } أي الجامع لجميع صفات الكمال ، فلا ينبغي أن يفعل في ملكه إلا ما هو أقرب إلى الكمال ، وفي هذا بالنسبة إلى ما مضى بعض التنفيس عنهم ، وإشارة إلى أن ذلك التغليظ بالنسبة إلى مجموع القولين المتقدمين .

ولما كانوا قد يكونون{[55047]} مجهولين ، تسبب عنه قوله : { فإن لم تعلموا آباءهم } لجهل أصلي{[55048]} أو طارئ { فإخوانكم في الدين } إن كانوا دخلوا في دينكم { ومواليكم } أي أرقاؤكم مع بقاء الرق أو مع العتق على كلتا الحالتين ، ولذا قالوا : سالم مولى أبي حذيفة . ولما نزل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " - أخرجه الشيخان{[55049]} عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة رضي الله عنهما .

ولما كانت عادتهم الخوف مما سبق من أحوالهم على النهي لشدة ورعهم ، أخبرهم أنه تعالى أسقط عنهم ذلك لكونه خطأ ، وساقه على وجه يعم ما بعد النهي أيضاً{[55050]} فقال : { وليس عليكم جناح } أي إثم وميل واعوجاج ، وعبر بالظرف ليفيد أن الخطأ لا إثم فيه بوجه ، ولو عبر بالباء لظن أن فيه إثماً ، ولكنه عفا عنه فقال : { فيما أخطأتم به } أي من الدعاء بالبنوة والمظاهرة أو في شيء قبل النهي أو بعده ، ودل قوله : { ولكن ما } أي الإثم فيما { تعمدت قلوبكم } على زوال الحرج أيضاً فيما وقع بعد النهي على سبيل النسيان أو سبق اللسان ، ودل تأنيث الفعل على أنه لا يتعمده{[55051]} بعد البيان الشافي{[55052]} إلا قلب فيه رخاوة الأنوثة ، ودل جمع الكثرة على عموم الإثم إن لم ينه المتعمد .

ولما كان هذا الكرم خاصاً بما تقدمه ، عم سبحانه بقوله : { وكان الله } أي لكونه لا أعظم منه ولا{[55053]} أكرم منه { غفوراً رحيماً * } أي من صفته الستر البليغ على المذنب التائب ، والهداية العظمية للضال الآئب ، والإكرام بإيتاء الرغائب .


[55046]:من م ومد، وفي الأصل وظ: المقصود.
[55047]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يكونوا.
[55048]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أصل.
[55049]:البخاري في باب من ادعى إلى غير أبيه من كتاب الفرائض ـ راجع صحيحه 3/1001، ومسلم في باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، من كتاب الإيمان ـ راجع صحيحه 1/57.
[55050]:زيد من ظ وم ومد.
[55051]:في ظ وم ومد: لا يتعمد.
[55052]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الثاني.
[55053]:سقط من ظ وم ومد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

قوله تعالى : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }

نزلت هذه الآية في زيد بن حارثة كما بيناه آنفا . وفي ذلك كان ابن عمر يقول : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد . وهذا يدل على أن التبني كان معمولا به في الجاهلية وبعض من الوقت في الإسلام . وكانوا يتوارثون به ويتناصرون حتى نسخ الله ذلك بقوله : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ }

أي انسبوا هؤلاء الأدعياء الذين ألحقتم أنسابهم بكم – لآبائهم . فوجب بذلك أن يُنسب زيد لأبيه حارثة ، فلا يدعي : زيد بن محمد . وذلك عند الله أعدل وأصوب وأصدق من دعائكم إياهم لغير آبائهم .

قوله : { فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } يعني إذا لم تعلموا من هم أدعيائكم لتنسبوهم إليهم فهم إخوانكم في الدين ؛ أي ينادي أحدكم الدعي بقوله : يا أخي . والمقصود أخوة العقيدة والدين لا أخوة النسب . { وَمَوَالِيكُمْ } أي أولياؤكم في الدين . فليقل أحدكم : هذا أخي وهذا مولاي . ويا أخي ويا مولاي ، يريد بذلك الأخوة في الدين والولاية فيه .

قوله : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي لا بأس عليكم ، ولا إثم فيما وقعتم فيه من الخطأ بنسبة بعض الأدعياء إلى آبائهم وأنتم تحسبون أنهم أبناؤهم وهم في الحقيقة أبناء لغيرهم . فلو دعوت رجلا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فلا بأس عليك في ذلك .

قوله : { وَلَكِنْ مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } { مَّا } ، في موضع رفع على الابتداء . وتقديره : ولكن ما تعمدت قلوبكم يؤاخذكم به . وقيل : في موضع جر بالعطف على { مَّا } في قوله تعالى : { فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } {[3693]}

والمعنى : ولكن الإثم والحرج عليكم فيما نسبتموه إلى غير أبيه ، وأنتم تعلمون أنه ابن لغير ما تنتسبونه إليه .

قوله : { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } الله يستر الذنب على من ظاهر زوجته فقال الباطل والزور من القول ، وكذلك يستره على من ادعى ولد غيره ابنا له ، إذا تابا وأنابا وانتهيا عن قول المنكر والزور من الكلام . الله جل وعلا يتجاوز بفضله عن سيئاتهما ويرحمهما برحمته فلا يعاقبهما على ما بدر منهما بعد توبتهما{[3694]} .


[3693]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 264.
[3694]:الكشاف ج 3 ص 250 وفتح القدير ج 3 ص 260 وتفسير الطبري ج 21 ص 76 وتفسير القرطبي ج 14 ص 119-120.