الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

{ إنا نحن نحيي الموتى } عند البعث { ونكتب ما قدموا } من الأعمال { وآثارهم } ما استن به بعدهم وقيل خطاهم إلى المساجد { وكل شيء أحصيناه } عددناه وبيناه { في إمام مبين } وهو اللوح المحفوظ

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

ولما بين الأصل الثاني هو الرسالة وأتبعها ثمرتها المختومة بالبشارة ، وكان الأصل الثالث في الإيمان - وهو البعث - سبباً عظيماً في الترقية إلى اعتقاد الوحدانية التي هي الأصل الأول ، وكان أكثر الخائفين منه سبحانه مقتراً عليهم في دنياهم منغضة عليهم حياتهم ، علل هذه البشارة إعلاماً بأن هذا الأجر في هذه الدار بالملابس الباطنة الفاخرة من المعارف والسكينة والبركات والطمأنينة ، وبعد البعث بالملابس الطاهرة الزاهرة المسببة عن الملابس الدنيوية الباطنة الخفية من غير أهلها ، بشارة لهم ونذارة للقسم الذي قبلهم بقوله ، مقدماً للبعث لما ذكر من فائدته ، لافتاً القول إلى مظهر العظمة إيذاناً بعظمة هذه المقاصد وبأنه لا يحمي لهؤلاء الخلص مع قلتهم ومباينتهم للأولين مع كثرتهم إلا من له العظمة الباهرة : { إنا نحن } أي بما لنا من العظمة التي لا تضاهى { نحيي } أي بحسب التدريج الآن وجملة في الساعة { الموتى } أي كلهم حساً بالبعث ومعنى بالإنقاذ إذا أردنا من ظلم الجهل { ونكتب } أي من صالح وغيره شيئاً فشيئاً بعده فلا يتعدى التفصيل شيئاً في ذلك الإجمال { ما قدموا } من جميع أفعالهم وأحوالهم وأقوالهم جملة عند نفخ الروح { وآثارهم } أي سننهم التي تبقى من بعدهم صالحة كانت أو غير صالحة ، ونجازي كلاً بما يستحق في الدار الآخرة التي الجزاء فيها لا ينقطع ، فلا أكرم منه إذا كان كريماً .

ولما كان ذلك ربما أوهم الاقتصار على كتابة ما ذكر من أحوال الآدميين أو الحاجة إلى الكتابة ، دل على قدرته على ما لا تمكن القدرة عليه لأحد غيره في أقل قليل مما ذكر ، فكيف بما فوقه ، فقال ناصباً عطفاً لفعليه على فعليه وهي " تكتب " : { وكل شيء } أي من أمر الأحياء وغيرهم { أحصيناه } أي قبل إيجاده بعلمنا القديم إحصاء وكتبناه { في إمام } أي كتاب هو أهل لأن يقصد { مبين * } أي لا يخفى فيه شيء من جميع الأحوال على أحد أراد علمه منه ، فلله هذه القدرة الباهرة والعظمة الظاهرة والعزة القاهرة ، فالآية من الاحتباك : دل فعل الإحصاء على مصدره وذكر الإمام على فعل الكتابة .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ} (12)

قوله : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ } ذلك واحد من المعاني العظيمة المكررة في الكتاب الحكيم التي يؤكد الله فيها على إحياء الموتى ، وبعثهم من قبورهم ليلاقوا الحساب يوم القيامة .

أما قوله : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } أي أن الله يحصي عليهم أعمالهم من خير أو شر فيكتبها جميعا .

أما قوله : { وَآَثَارَهُمْ } أي آثار خطاهم بأرجلهم ؛ فقد روي عن أبي سعد الخدري قال : كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ } فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " إن آثاركم تكتب فلم تنتقلون ؟ " {[3887]}

وقيل : تكتب لهم أعمالهم بأنفسهم ، وما ترتب عليها من آثار بقيت من بعدهم ؛ فإن الله مجازيهم عنها إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ . وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : " من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن يُنقَصَ من أوزارهم شيء " .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم اقطع عمله من ثلاث : من علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده " .

قوله : { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } { وَكُلَّ } ، منصوب بفعل مضمر دلَّ عليه الفعل بعده { أحْصَيْنَاهُ } والتقدير : وأحصينا كل شيء أحصيناه . والإمام المبين ههنا يراد به أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ وفيه علم الله وعلمه محيط بكل شيء . فما من كائن ولا حدث إلا علمه مسطور في هذا الكتاب . وقيل : المراد بالإمام هنا صحائف الأعمال . وذلك هو كتاب أعمالهم يشهد عليهم بما عملوه من خير أو شر{[3888]} .


[3887]:أسباب النزول للنيسابوري ص 245
[3888]:تفسير القرطبي ج 15 ص 10-13 وتفسير الرازي ج 26 ص 46 والكشاف ج 3 ص 316 وتفسير الطبري ج 22 ص 99-100