الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

{ وَلاَ تَقْفُ } ولا تتبع . وقرىء «ولا تقف » . يقال : قفا أثره وقافه ، ومنه : القافة ، يعني : ولا تكن في اتباعك ما لا علم لك به من قول أو فعل ، كمن يتبع مسلكاً لا يدري أنه يوصله إلى مقصده فهو ضال . والمراد : النهي عن أن يقول الرجل ما لا يعلم ، وأن يعمل بما لا يعلم ، ويدخل فيه النهي عن التقليد دخولاً ظاهراً . لأنه اتباع لما لا يعلم صحته من فساده . وعن ابن الحنفية : شهادة الزور وعن الحسن : لا تقف أخاك المسلم إذا مرّ بك ، فتقول : هذا يفعل كذا ، ورأيته يفعل ، وسمعته ، ولم تر ولم تسمع . وقيل : القفو شبيه بالعضيهة ومنه الحديث : " من قفى مؤمناً بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج " وأنشد :

وَمِثْلُ الدُّمَى شم الْعَرَانِينِ سَاكِن *** بَهِنَّ الحَيَاءُ لاَ يُشِعْنَ التَّقَافِيَا

أي التقاذف . وقال الكميت :

وَلاَ أرْمِي البَرِيَّ بِغَيْرِ ذَنْب *** وَلاَ أقْفُو الحَوَاصِنَ إنْ قُفِينَا

وقد استدل به مبطل الاجتهاد ولم يصح ؛ لأنّ ذلك نوع من العلم ، فقد أقام الشرع غالب الظن مقام العلم ، وأمر بالعمل به { أولئك } إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد ، كقوله :

وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُوَلئِكَ الأَيَّامِ ***

و { عَنْهُ } في موضع الرفع بالفاعلية ، أي : كل واحد منها كان مسؤلاً عنه ، فمسئول : مسند إلى الجار والمجرور ، كالمغضوب في قوله { غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ } [ الفاتحة : 7 ] يقال للإنسان : لم سمعت ما لم يحل لك سماعه ؛ ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه ، ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه ؟ وقرىء «والفواد » بفتح الفاء والواو ، قلبت الهمزة واواً بعد الضمة في الفؤاد ، ثم استصحب القلب مع الفتح .