الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةٗ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا} (79)

{ وَمِنَ اليل } وعليك بعض الليل { فَتَهَجَّدْ بِهِ } والتهجد ترك الهجود للصلاة ، ونحو التأثم والتحرّج . ويقال أيضاً في النوم : تهجد { نَافِلَةً لَّكَ } عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس ، وضع نافلة موضع تهجداً ؛ لأن التهجد عبادة زائدة فكان التهجد والنافلة يجمعهما معنى واحد . والمعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة فريضة عليك خاصة دون غيرك ، لأنه تطوع لهم { مَقَاماً مَّحْمُودًا } نصب على الظرف ، أي : عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاماً محموداً . أو ضمن يبعثك معنى يقيمك . ويجوز أن يكون حالا بمعنى أن يبعثك ذا مقام محمود . ومعنى المقام المحمود : المقام الذي يحمده القائم فيه ، وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجب الحمد من أنواع الكرامات ، وقيل : المراد الشفاعة ، وهي نوع واحد مما يتناوله . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : مقام يحمدك فيه الأولون والآخرون ، وتشرف فيه على جميع الخلائق : تسأل فتعطى ، وتشفع فتشفع ، ليس أحد إلا تحت لوائك . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :

« هو المقام الذي أشفع فيه لأمّتي » وعن حذيفة يجمع الناس في صعيد واحد ، فلا تتكلم نفس ، فأوّل مدعوّ محمد صلى الله عليه وسلم فيقول : « لبيك وسعديك والشرّ ليس إليك ، والمهديّ من هديت ، وعبدك بين يديك وبك وإليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك رب البيت » قال : فهذا قوله { عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } .