جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةٗ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا} (79)

{ وَمِنَ اللَّيْلِ } أي : بعضه ، { فَتَهَجَّدْ } : اترك الهجود والتهجد ترك الهجود للصلاة كالتأثم والتخرج{[2894]} ، { بِهِ } : بالقرآن ، { نَافِلَةً لَّكَ } : فضيلة لك ، فإنه قد غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر فجميع نوافله زيادة في رفع درجته ، أو معناه فريضة زائدة لك على الصلاة المفروضة ، وعن كثير من السلف أن التهجد واجب علنه ونصبها بالعلية على التوجيه الأول أو بتقدير فرضها فريضة أو حال من ضمير به ، { عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا{[2895]} } أي : في مقام ، { مَّحْمُودًا{[2896]} } أو تقديره فيقيمك مقاما ، أي : في مقام هو مقام الشفاعة لأمته بحمده فيه الأولون والآخرون .


[2894]:أي: جانب الإثم والحرج فتهجد أي: جانب النوم ويقال تهجد أي: نام / 12 منه.
[2895]:وعن مجاهد قال: يجلسه على العرش وعن عبد الله بن سلام قال: يقعده على الكرسي، ذكر القولين البغوي في المعالم وفي الفتح حكي هذا القول يعني أن الله سبحانه وتعالى يجلس محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ معه على كرسيه ابن جرير عن فرقة منهم مجاهد وقد ورد في ذلك حديث وحكى النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم مازال أعل العلم يتحدثون بهذا الحديث / 12. [ أثر مجاهد هذا باطل كما قل الشيخ الألباني في " الضعيفة" وقال: ومما يدل على ذلك ـ أي بطلانه ـ أنه ثبت في "الصحاح" أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام. ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرا أن يفتي بعض المتقدمين بأثر مجاهد هذا كما ذكره الذهبي في "العلو" (ص100 – 117، 101- 118) عن غير واحد منهم، بل غلا بعض المحدثين فقال: لو أن حالفا حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ على العرش واستفتاني، لقلت له صدقت و بررت!. وقال الذهبي ـ رحمه الله ـ "فأبصر ـ حفظك الله من الهوى ـ كيف آل الغلو بهذا الحديث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم يردون الأحاديث الصريحة في العلو، بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى: {ارحمن على العرش استوى}". وأثر عبد الله بن سلام ذكره الذهبي في "العلو" وقال: "هذا موقوف ولا يثبت إسناده وإنما قاله مجاهد".
[2896]:والمقام المحمود مقام الشفاعة العامة و"عسى" تفيد الإطماع والله أكرم أن يطمع من غير أن ينفذ وهذا من جنس كلام الملوك ولهذا قيل: عسى من الله واجب ولما أمره بإقامة الصلاة بالتهجد ووعده ببعثه مقاما محمودا وذلك في الآخرة عقبه بأمره بما يشمل الدنيا والآخرة فقال: "وقل رب" الآية /12 وجيز.