الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةٗ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا} (79)

قوله : { ومن الليل فتجهد به نافلة لك } [ 79 ] إلى قوله : { سلطانا نصيرا } [ 80 ] .

معناه : ومن الليل يا محمد فاسهر{[41658]} بالقرآن { نافلة لك } أي : خاصة لك دون أمتك . والتهجد : التيقظ ، والسهر بعد نومة من الليل ، والهجود : النوم . يقال : تهجد زيد إذا سهر ، وهجد إذا نام{[41659]} .

قال علقمة{[41660]} والأسود{[41661]} : التهجد بعد نومة{[41662]} .

وقال الحسن : التهجد ما كان بعد العشاء الآخرة{[41663]} .

قال ابن عباس معنى : " نافلة لك " : فرضا عليك . فرض الله ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم{[41664]} . وقيل : إنما قيل له : " نافلة لك " لأنه لم يكن فعله ذلك ليكفر عنه شيئا من الذنوب{[41665]} . فهو نافلة للنبي [ عليه السلام ] لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فهو نافلة له لأنه ذنب له ، يكفر بنوافله ، وهو لأمته كفارة لذنوبهم{[41666]} قال ذلك مجاهد{[41667]} .

وقول ابن عباس : أولى . لأن هذه السورة نزلت بمكة وسورة الفتح إنما نزلت بعد منصرفه من الحديبية ، فنزل عليه الأمر بالنافلة قبل معرفته بأن الله [ عز وجل{[41668]} ] قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فواجب أن يكون ذلك فرضا عليه خاصة . خصه الله [ عز وجل{[41669]} ] به ، لأن الصلاة بالليل أفضل أعمال الخير/فحض{[41670]} الله [ سبحانه{[41671]} ] نبيه صلى الله عليه وسلم على أفضل الأعمال .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة الصلاة بالليل " {[41672]} .

وقال عليه السلام : " عليكم بالصلاة بالليل فإنها دأب الصالحين قبلكم ، وهو قربة إلى الله [ عز وجل{[41673]} ] ، وكفارة للسيئات{[41674]} .

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " .

وقال : " صلوا في بيوتكم ولا تتخدوها قبورا " {[41675]} .

وقال [ النبي{[41676]} ] عليه السلام : " صلوا بالليل ولو ركعتين . ما من أهل بيت تعرف لهم صلاة إلا ناداهم مناديا أهل الدار : قوموا إلى صلاتكم " .

وفضل الصلاة بالليل عظيم جسيم إليه انتهت العبادة وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم سأل الله خيرا وهو يصلي إلا أعطاه وهي في كل ليلة " {[41677]} .

ثم قال [ تعالى{[41678]} ] : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } [ 79 ] .

وعسى من الله واجبة ، لأن الله [ عز وجل{[41679]} ] لا يدع أن يفعل بعباده ما أطمعهم به من الجزاء على أعمالهم لأنه ليس من عادته الغرور{[41680]} ولا من صفته{[41681]} .

والمقام المحمود : هو الشفاعة . قاله : ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج والحسن{[41682]} .

وقال حذيفة{[41683]} : يجمع الله [ عز وجل{[41684]} ] الناس في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، حفاة عراة كما خلقوا ، سكوتا لا تكلم نفس إلا بإذنه ، فينادي محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول : لبيك وسعديك والخير في يديك ، والشر ليس إليك ، والمهتدي من هديت ، وعبدك بين يديك ، ولك وإليك ، لا{[41685]} ملجأ ولا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت " . قال : فذلك المقام المحمود الذي ذكر الله جل ذكره{[41686]} .

وعن ابن عباس أنه قال : بلغنا أنه إذا دخل أهل الجنة وأهل النار النار بقيت آخر زمرة من زمرة الجنة وآخر{[41687]} زمرة من زمر النار ، فتقول زمرة النار لزمرة الجنة : أما نحن فحسبنا ما علم الله{[41688]} [ عز وجل{[41689]} ] في قلوبنا من الشك والتكذيب فما ينفعكم إيمانكم فإذا قالوا لهم ذلك دعوا ربهم [ عز وجل{[41690]} ] وصاحوا بأعلى أصواتهم ، فيسمع أهل الجنة أصواتهم فيسألون آدم{[41691]} الشفاعة{[41692]} لهم . فيأبى{[41693]} عليهم . ثم يمضون من نبي إلى نبي فكلهم{[41694]} يعتذر حتى يأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم [ فيشفع لهم{[41695]} ] فذلك المقام المحمود وحديث الشفاعة مختلف الألفاظ طويل ذكرنا منه ما يليق بالكتاب .

وعن مجاهد من{[41696]} رواية ليث ، عنه أنه قال : المقام المحمود يجلسه معه على عرشه{[41697]} .

و[ عن{[41698]} ] النبي عليه السلام في قوله : " مقاما محمودا " أنه قال : " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي " رواه{[41699]} أبو هريرة عنه{[41700]} .

وروى كعب بن مالك أن النبي عليه السلام قال : " يحشر الناس يوم القيامة [ فأكون أنا وأمتي{[41701]} ] على تل{[41702]} فيكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي{[41703]} فأقول ما شاء{[41704]} الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود " {[41705]} .

قال عبد الله بن عمر : أن النبي عليه السلام : " إن الشمس لتدنو{[41706]} حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول : لست/بصاحب ذلك . ثم بموسى فيقول : كذلك . ثم بمحمد فيمشي بين الخلق حتى يأخذ بحلقة الجنة فيومئذ يبعثه الله المقام المحمود " {[41707]} .

وروي : عن عبد الله بن سلام{[41708]} أنه قال : " إن محمدا عليه السلام يوم القيامة على كرسي للرب بين [ يدي{[41709]} ] الرب جل وعز . فهذا قول مجاهد{[41710]} .

وقيل المقام المحمود : هو المقام الذي{[41711]} يحمده فيه الأولون والآخرون يشرف فيه على جميع الخلائق : يسأل فيعطى ويشفع ، ليس أحد يوم القيامة إلا تحت لواء محمد صلى الله عليه وسلم .


[41658]:ط: "فالسهر".
[41659]:انظر: هذا التفسير في غريب القرآن 260، وجامع البيان 15/141، ومعاني الزجاج 3/256، اللسان (هجد).
[41660]:هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الهمذاني، أبو شبل تابعي، كان فقيه العراق، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسكن الكوفة، وتوفي بها سنة 62هـ. انظر ترجمته: في حلية الأولياء 2/98، وتاريخ بغداد 12/296 وتذكرة الحفاظ 1/48، والأعلام 4/248.
[41661]:هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، تابعي فقيه من الحفاظ، كان عالم الكوفة في عصره توفي سنة 75 هـ، انظر ترجمته: في حلية الأولياء 2/102، وتذكرة الحفاظ 1/50، والأعلام 1/330.
[41662]:انظر قولهما: في جامع البيان 15/142.
[41663]:انظر قوله: في جامع البيان 15/142.
[41664]:انظر قوله: في جامع البيان 15/142، والدر 5/323.
[41665]:انظر: معاني الفراء 2/129، وجامع البيان 15/142.
[41666]:ط: "... لهم لذنوبهم".
[41667]:ق: زاد "وهو قول ابن عباس" وانظر: قول مجاهد في جامع البيان 15/143 وأحكام الجصاص 3/207، والدر 5/323.
[41668]:ساقط من ق.
[41669]:ساق من ق.
[41670]:ط: "فخص".
[41671]:ساقط من ق.
[41672]:أخرجه النسائي في السنن عن أبي هريرة، كتاب قيام الليل باب فضل صلاة الليل 3/168، والترمذي في السنن عن أبي هريرة رقم 436 والحاكم في المستدرك 1/307، وصححه.
[41673]:ساقط من ق.
[41674]:الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك 1/307 عن أبي أمامة الباهلي وقال: "حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
[41675]:أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر رقم 432 ومسلم في الصحيح كتاب صلاة المسافرين وقصرها، عن ابن عمر رقم 208 والنسائي في السنن 3/161، والترمذي في السنن 213، وابن ماجه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، رقم 1377، وأحمد في المسند 2/6 والحاكم في المستدرك1/313.
[41676]:ساقط من ط.
[41677]:أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 166.
[41678]:ساقط من ق.
[41679]:ساقط من ط.
[41680]:ق: "الغرار".
[41681]:هو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/143.
[41682]:انظر: هذا القول في جامع البيان 15/144، ومعاني الزجاج 3/256 وفيه "وهو الذي صحت به الرواية والأخبار" ، والدر 5/324.
[41683]:هو حذيفة عنه أبو الطفيل والأسود بن يزيد، وتوفي سنة 36 هـ، انظر ترجمته: في طبقات ابن الخياط 48، والإصابة 1/318، وتقريب التهذيب 1/156 والأعلام 2/171.
[41684]:ساقط من ق.
[41685]:ط: "ولا ملجأ".
[41686]:ط: "عز وجل" وأخرج هذا الأثر عن حذيفة النسائي في السنن والحاكم في المستدرك 2/363، وانظر: جامع البيان 15/145، والجامع 10/200 والدر 5/325.
[41687]:ط: "وأخرى".
[41688]:ق: "الله الله".
[41689]:ساقط من ق.
[41690]:ساقط من ق.
[41691]:ط: "آدم ع م".
[41692]:ط: "في الشفاعة".
[41693]:ط: "فياتي".
[41694]:ساقط من ط.
[41695]:ساقط من ق.
[41696]:ق: "عن".
[41697]:انظر: قوله في جامع البيان 15/145، والدر 5/328.
[41698]:ساقط من ق.
[41699]:ق: "ورواه".
[41700]:الحديث أخرجه الترمذي في السنن كتاب الصلاة 43، وأحمد في المسند 1/398، وانظر: جامع البيان 15/145 والدر 5/324.
[41701]:ساقط من النسختين.
[41702]:ق: "يدي".
[41703]:ق: "نودي بي".
[41704]:ق: "ما مشاء".
[41705]:أخرجه أحمد في المسند 3/456 والحاكم في المستدرك 2/363، وانظر: جامع البيان 15/146 والدر 5/325.
[41706]:ط: "تدنوا".
[41707]:انظر : هذا الحديث في جامع البيان 15/146 والدر 5/325.
[41708]:هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائلي، أبو يوسف صحابي أسلم عند مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان اسمه الحسين فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وتوفي سنة 43 هـ. وفيه نزلت "وشهد شاهد من بني إسرائيل" وله 25 حديثا. انظر ترجمته: في الإصابة رقم 4716 والاستيعاب رقم 1561 والأعلام 4/90.
[41709]:ساقط من ق.
[41710]:انظر: جامع البيان 15/148.
[41711]:ق: "هو المقام المحمود هو المقام الذي ..." تكررت"المحمود هو المقام".