النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةٗ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا} (79)

قوله عز وجل : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } أما الهجود فمن أسماء الأضداد ، وينطلق على النوم وعلى السهر ، وشاهد انطلاقه على السهر قول الشاعر :

ألا زارت وأهْلُ مِنىً هُجُود ***    ولَيْتَ خَيَالَهَا بِمِنىً يعُود

وشاهد انطلاقه على النوم قول الشاعر :

أَلا طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُود  ***   فَبَاتَتْ بِعُلاَّت النّوالِ تجود{[1812]}

أما التهجد فهو السهر ، وفيه وجهان :أحدهما : السهر بالتيقظ لما ينفي النوم ، سواء كان قبل النوم أو بعده . الثاني : أنه السهر بعد النوم ، قاله الأسود بن علقمة . وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : فتهجد بالقرآن وقيام الليل نافلة أي فضلاً وزيادة على الفرض . وفي تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بأنها نافلة له ثلاثة أوجه :أحدها : تخصيصاً له بالترغيب فيها والسبق إلى حيازة فضلها ، اختصاصها بكرامته ، قاله علي بن عيسى . الثاني : لأنها فضيلة له ، ولغيره كفارة ، قاله مجاهد . الثالث : لأنها عليه مكتوبة ولغيره مستحبة ، قاله ابن عباس .

{ عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً } فيه ثلاثة أقاويل :أحدها : أن المقام المحمود الشفاعة للناس يوم القيامة ، قاله حذيفة بن اليمان . الثاني : أنه إجلاسه على عرشه يوم القيامة ، قاله مجاهد . الثالث : أنه إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة . ويحتمل قولاً رابعاً : أن يكون المقام المحمود شهادته على أمته بما أجابوه من تصديق أو تكذيب ، كما قال تعالى : { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً }[ النساء : 41 ] .


[1812]:العلات: جمع علة وهي ما يتعلل به.