الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةٗ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا} (79)

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { نافلة لك } يعني ، خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقيام الليل وكتب عليه .

وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ثلاث هن عليّ فرائض وهن لكم سنة : الوتر والسواك وقيام الليل » .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر ومحمد بن نصر والبيهقي في الدلائل ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { نافلة لك } قال : لم تكن النافلة لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة من أجل أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فما عمل من عمل مع المكتوب فهو نافلة له سوى المكتوب من أجل أنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب فهي نوافل له وزيادة ، والناس يعملون ما سوى المكتوب في كفارة ذنوبهم فليس للناس نوافل ، إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه مثله .

وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه مثله .

وأخرج محمد بن نصر عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } قال : لا تكون نافلة الليل إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر ، عن قتادة رضي الله عنه { نافلة لك } قال : تطوّعاً وفضيلة لك .

وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن أبي أمامة رضي الله عنه في قوله : { نافلة لك } قال : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة ولكم فضيلة . وفي لفظ إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخرج الطيالسي وابن نصر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في تاريخه ، عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال : إذا توضأ الرجل المسلم فأحسن الوضوء ، فإن قعد - قعد مغفوراً له ، وإن قام يصلي كانت له فضيلة . قيل له : نافلة ؟ قال : إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، كيف يكون له نافلة وهو يسعى في الخطايا والذنوب ! ؟ ولكن فضيلة .

وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها ، يقولون : يا فلان ، اشفع لنا . حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } وسئل عنه قال : هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي .

وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «المقام المحمود ، الشفاعة » .

وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : مقام الشفاعة .

وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال : «هو الشفاعة » .

وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تَلٍّ ، ويكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي أن أقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود » .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق علي بن حسين قال : أخبرني رجل من أهل العلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «تمد الأرض يوم القيامة مدّ الأديم ولا يكون لبشر من بني آدم فيها إلا موضع قدمه ، ثم أدعى أول الناس فأخر ساجداً ، ثم يؤذن لي فأقول : يا رب ، أخبرني هذا لجبريل وجبريل عن يمين الرحمن ، والله ما رآه جبريل قط قبلها أنك أرسلته إلي . وجبريل عليه السلام ساكت لا يتكلم حتى يقول الرب : صدقت . . . ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول : أي رب ، عبادك عبدوك في أطراف الأرض . فذلك المقام المحمود » .

وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه والبيهقي في البعث والخطيب في المتفق والمفترق ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : يجمع الناس في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا قياماً ، لا تكلم نفس إلا بإذنه ينادي : يا محمد ، فيقول : لبيك وسعديك والخير في يديك والشرّ لَيْسَ إليك ، والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت . فهذا المقام المحمود » .

وأخرج البخاري وابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول : لَسْتُ بصاحب ذلك ، ثم موسى عليه السلام فيقول : كذلك ، ثم محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع ، فيقضي الله بين الخلائق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة » فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم .

وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إني لأقوم المقام المحمود . قيل : وما المقام المحمود ؟ قال : ذلك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلاً ، فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام ، فيقول : اكسوا خليلي . فيؤتى بربطتين بيضاوين فيلبسهما ، ثم يقعد مستقبل العرش . ثم أوتَى بكسوة فألبسها فأقوم عن يمينه مقاماً لا يقومه أحد ، فيغبطني به الأولون والآخرون ، ثم يفتح نهر من الكوثر إلى الحوض » .

وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : «ما المقام المحمود الذي ذكر لك ربك ؟ قال : يحشر الله الناس يوم القيامة عراة غرلاً ، كهيئتكم يوم ولدتم . . . هالهم الفزع الأكبر وكظمهم الكرب العظيم ، وبلغ الرشح أفواههم وبلغ بهم الجهد والشدة ، فأكون أول مدعى وأول معطى ، ثم يدعى إبراهيم عليه السلام قد كسي ثوبين أبيضين من ثياب الجنة ، ثم يؤمر فيجلس في قبل الكرسي . ثم أقوم عن يمين العرش . . . فما من الخلائق قائم غيري ، فأتكلم فيسمعون وأشهد فيصدقون » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : «يجلسه على السرير » .

وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ - آدم فمن سواه - إلا تحت لوائي ، وأنا أوّل من تَنْشَقُّ عنه الأرض ولا فخر . . . فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم عليه السلام فيقولون : أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك . فيقول : إني أذنبت ذنباً أهبطت منه إلى الأرض ، ولكن ائتوا نوحاً . فيأتون نوحاً فيقول : إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيقول : ائتوا موسى . فيأتون موسى عليه الصلاة والسلام فيقول : إني قتلت نفساً ، ولكن ائتوا عيسى . فيأتون عيسى عليه السلام فيقول : إني عُبِدْتُ من دون الله ، ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم . فيأتوني فأنطلق معهم فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ، فيقال : من هذا ؟ فأقول : محمد . فيفتحون لي ويقولون : مرحباً . فأخرّ ساجداً فيلهمني الله عز وجل من الثناء والحمد والمجد ، فيقال : ارفع رأسك . . . سل تُعْطَ ، واشفع تُشَفّعْ ، وقل يسمع لقولك . فهو المقام المحمود الذي قال الله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } » .

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : يخرج الله قوماً من النار من أهل الإيمان والقبلة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فذلك المقام المحمود .

وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أنه ذكر حديث الجهنّميّين فقيل له : ما هذا الذي تحدث والله تعالى يقول : { إنك من تدخل النار فقد أخزيته } [ آل عمران : 192 ] { وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها } [ السجدة : 20 ] فقال : هل تقرأ القرآن ؟ قال : نعم . قال : فهل سمعت فيه بالمقام المحمود ؟ قال : نعم . قال : فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم الذي يخرج الله به من يخرج .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يأذن الله تعالى في الشفاعة ، فيقوم روح القدس جبريل عليه السلام ، ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ، ثم يقوم عيسى أو موسى عليهما السلام ، ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم واقفاً ليشفع ، لا يشفع أحد بعده أكثر مما شفع ، وهو المقام المحمود الذي قال الله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } .

وأخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا سألتم الله فاسألوه أن يبعثني المقام المحمود الذي وعدني » .

وأخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حَلّتْ له شفاعتي يوم القيامة » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان رضي الله عنه قال : يقال له : سل تعطه - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - واشفع تشفع ، وادع تجب . فيرفع رأسه فيقول : أمتي . مرتين أو ثلاثاً ، فقال سلمان رضي الله عنه : يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان أو مثقال شعيرة من إيمان أو مثقال حبة خردل من إيمان . قال سلمان رضي الله عنه : فذلكم المقام المحمود » .

وأخرج الديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : «قيل : يا رسول الله ، ما المقام المحمود ؟ قال : ذلك يوم ينزل الله تعالى عن عرشه ، فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه » .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : يجلسه بينه وبين جبريل عليه السلام ، ويشفع لأمته . فذلك المقام المحمود .

وأخرج الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «{ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : يجلسني معه على السرير » .

وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خيِّر بين أن يكون عبداً نبياً أو ملكاً نبياً ، فأومأ إليه جبريل عليه السلام أن تواضع ، فاختار أن يكون عبداً نبياً . فأعطى به النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين : أنه أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع . فكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : يجلسه معه على عرشه .