{ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ }
«مِنْ » للتبعيض ، التقدير : ووقتاً مِنَ الليلِ ، أيَّ : قم وقتاً ، والضمير في «به » عائدٌ على هذا المقدَّر ، ويحتملُ أن يعود على القرآن ، و«تهجَّد » معناه : اطرح الهجودَ عَنْك ، «والهُجُود » : النوم ، المعنى : ووقتاً من الليل أسهر به في صلاةٍ وقراءة ، وقال علقمة وغيره : التهجُّد بعد نومة ، وقال الحَجَّاج بن عمرو : إِنما التهجُّد بعد رقدة ، وقال الحسن : التهجُّد ما كان بعد العشاء الآخرة .
وقوله : { نَافِلَةً لَّكَ } قال ابن عباس : معناه : زيادةً لك في الفَرْضٍ ، قال : وكان قيامُ الليل فرضاً على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقال مجاهدٌ : إِنما هي نافلة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم لأنه مغفورٌ له ، والناس يحطُّون بمثل ذلك خطاياهم ، يعني : ويجبرون بها فرائضهم حَسْبما ورد في الحديثِ ، قال صاحب «المدخل » ، وهو أبو عبد الله بن الحَاجِّ وقد قالوا : إِنَّ مَنْ كان يتفلَّت منه القرآن ، فليقُمْ به في الليْلَ ، فإن ذلك يثبته له ببركة امتثال السُّنَّة سِيَمَا الثُّلُثُ الأخير من الليلِ لما ورد في ذلك من البركَات والخَيْرَات ، وفي قيامِ اللَّيْلِ من الفوائد جملةٌ ، فلا ينبغي لطالب العلْم أنْ يفوته منْها شَيْءٌ ، فمنها : أنه يحطُّ الذنوب كما يحطُّ الريحُ العاصفُ الوَرَقَ اليابس من الشجرة . الثاني : أنه ينوِّر القلب . الثالث : أنه يحسِّن الوجه ، الرابع : أنه يذهب الكسل ، وينشِّط البدن ، الخامس : أن موضعه تراه الملائكَة من السماء كما يتراءى الكوكب الدُّرِّيُّ لنا في السماءِ .
وقد روى الترمذيُّ عن أبي أمامة أن رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( عَلْيُكُمْ بِقَيِامِ اللَّيْلِ ، فإِنَّهُ مِنْ دأْبِ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلى اللَّهِ تعالى ، ومَنْهَاةٌ عَنِ الآثَامِ ، وتَكْفِيرٌ للسَّيِّئَاتِ ، وَمَطْرَدَةٌ للِدَّاءِ عَنِ الجَسَدِ ) .
وروى أبو داود في «سننه » عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصِ ، قال : قَالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ ، ومَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ ، ومَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةِ ، كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِين ) انتهى من «المدخل » .
وقوله سبحانه : { عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } عِدَةٌ من اللَّه عزَّ وجلَّ لنبيِّه ، وهو أمر الشَّفاعة الذي يتدافَعُه الأنبياء حتى ينتهي إِليه صلى الله عليه وسلم . والحديث بطوله في البخاريِّ ومسلمٍ .
قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه » : واختلف في وَجْهِ كوْنِ قيامِ الليْلِ سَبَباً للمقامِ المْحُمودِ على قَوْلين للعلماء : أحدهما : أن البارِي تعالى يجعلُ ما يشاء مِنْ فضله سبباً لفضله من غير معرفةٍ لنا بَوْجهِ الحكمة ، الثاني : أنَّ قيام الليل فيه الخَلْوَة بالباري تعالى ، والمناجاة معه دون الناسِ ، فيعطي الخَلْوة به ومناجاتَه في القيامةِ ، فيكون مقاماً محموداً ، ويتفاضل فيه الخَلْق بحسب درجاتهم ، وأجلُّهم فيه درجة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، فيعطى من المحامدِ ما لم يعطَ أحدٌ ، ويَشْفَعُ فَيُشَفَّع . انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.