الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيٓ أَعۡلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ مِنۡ عِندِهِۦ وَمَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (37)

يقول : { ربى أَعْلَمُ } منكم بحال من أهله الله للفلاح الأعظم ، حيث جعله نبياً وبعثه بالهدى ، ووعده حسن العقبى : يعني نفسه ، ولو كان كما تزعمون كاذباً ساحراً مفترياً لما أهله لذلك ، لأنه غني حكيم لا يرسل الكاذبين ، ولا ينبىء الساحرين ، ولا يفلح عنده الظالمون . و { عاقبة الدار } هي العاقبة المحمودة . والدليل عليه قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ لَهُمْ عقبى الدار جنات عَدْنٍ } [ الرعد : 22-23 ] وقوله : { وَسَيَعْلَمُ الكفار لِمَنْ عُقْبَى الدار } [ الرعد : 42 ] والمراد بالدار : الدنيا ، وعاقبتها وعقباها : أن يختم للعبد بالرحمة والرضوان وتلقي الملائكة بالبشرى عند الموت .

فإن قلت : العاقبة المحمودة والمذمومة كلتاهما يصح أن تسمى عاقبة الدار ؛ لأنّ الدنيا إمّا أن تكون خاتمتها بخير أو بشر ، فلم اختصت خاتمتها بالخير بهذه التسمية دون خاتمتها بالشر ؟ قلت : قد وضع الله سبحانه الدنيا مجازاً إلى الآخرة وأراد بعباده أن لا يعملوا فيها إلا الخير ، وما خلقهم إلا لأجله ليتلقوا خاتمة الخير وعاقبة الصدق ، ومن عمل فيها خلاف ما وضعها الله فقد حرف ؛ فإذاً عاقبتها الأصلية هي عاقبة الخير . وأما عاقبة السوء فلا اعتداد بها ؛ لأنها من نتائج تحريف الفجار . وقرأ ابن كثير : «قال موسى » بغير واو ، على ما في مصاحف أهل مكة ، وهي قراءة حسنة ؛ لأنّ الموضع موضع سؤال وبحث عما أجابهم به موسى عليه السلام عند تسميتهم مثل تلك الآيات الباهرة : سحراً مفترى . ووجه الأخرى : أنهم قالوا ذلك . وقال موسى عليه السلام هذا ، ليوازن الناظر بين القول والمقول ، ويتبصر فساد أحدهما وصحة الآخر :

وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الأشْيَاءُ ***

وقرىء : «تكون » ، بالياء والتاء .