السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيٓ أَعۡلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ مِنۡ عِندِهِۦ وَمَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (37)

{ و } لما كذبوه وهم الكاذبون { قال } لهم { موسى ربي } أي : المحسن إليّ { أعلم } أي : عالم { بمن جاء بالهدى } أي : الذي أذن الله تعالى فيه وهو حق في نفسه { من عنده } فيعلم أني محق وأنتم مبطلون ، وقرأ ابن كثير بغير واوٍ قبل القاف لأنه قاله جواباً لمقالهم ، والباقون بالواو لأنّ المراد حكاية القولين ليوازن الناظر بينهما ليميز صحيحهما من فاسدهما { ومن تكون له } أي : لكونه منصوراً مؤيداً { عاقبة الدار } أي : الراحة والسكن والاستقرار ، فإن قيل : العاقبة المحمودة والمذمومة كلتاهما يصح أن تسميا عاقبة الدار لأنّ الدنيا إما أن تكون خاتمتها بخير أو بشر فلم اختصت خاتمتها بالخير بهذه التسمية دون خاتمها بالشرّ ؟ .

أجيب : بأنّ الله تعالى قد وضع الدنيا مجازاً إلى الآخرة وأراد بعباده أن لا يعملوا فيها إلا الخير ، وما خلقهم إلا لأجله ليبلغوا خاتمة الخير وأما عاقبة السوء فلا اعتداد بها لأنها من نتائج تخويف الفجار ، وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء على التذكير ، والباقون بالتاء على التأنيث ، ثم علل ذلك بما أجرى الله تعالى به عادته فقال معلماً بأنّ المخذول هو الكاذب إشارة إلى أنه الغالب لكون الله تعالى معه مؤكداً لما استقرّ في الأنفس من أنّ القويّ لا يغلبه الضعيف { إنه لا يفلح } أي : لا يظفر ولا يفوز { الظالمون } أي : الكافرون الذين يمشون كما يمشي من هو في الظلام بغير دليل .