اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (64)

قوله : { لَهُمُ البشرى } روى عبادة بن الصَّامت ، قال : سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله - تعالى - : { لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة } قال : هي الرُّؤيا الصَّالحةُ ، يراها المسلمُ أو تُرى لهُ{[18518]} .

وروى أبو هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات " قالوا : وما المبشرات ؟ قال : " الرؤيا الصالحة " {[18519]} .

وقال - عليه الصلاة والسلام - : " الرُّؤيا الصَّالحة جزءٌ من ستَّةٍ وأربعين جزءاً من النُّبوَّةِ{[18520]} . "

وقيل : البُشْرَى في الدُّنيا هي : الثَّناءُ الحسن ، وفي الآخرة : الجنَّة ؛ لما روى أبو ذرٍّ ، قال : قلت يا رسُول الله : الرَّجل يعمل لنفسه ، ويحبُّه الناس ، قال : تلك عاجلُ بُشْرَى المؤمِن{[18521]} . وقال الزهريُّ ، وقتادة : هي نزول الملائكة بالبشارة من الله - تعالى عند الموت ، قال - تعالى - : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة }{[18522]} [ فصلت : 30 ] . وروى عطاء نحوه ، عن ابن عباسٍ .

وقال الحسن : هي ما بشَّر الله المؤمنين في كتابه من جنَّته ، وكريم ثوابه ، كقوله : { وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ } [ البقرة : 25 ] { وَبَشِّرِ المؤمنين } [ البقرة : 223 ] { وَأَبْشِرُواْ بالجنة }{[18523]} [ فصلت : 30 ] .

وقيل : بشَّرهم في الدُّنيا بالكتاب والرسُول أنهم أولياء الله ، وبشَّرهم في القبور ، وفي كتب أعمالهم بالجنَّة .

قوله : { فِي الحياة الدنيا } : يجوز فيه وجهان :

أظهرهما : أنَّه متعلقٌ بالبشرى ، أي : البشرى تقع في الدُّنيا ، كما فُسِّرت بالرُّؤيا الصَّالحة .

والثاني : أنَّها حالٌ من " البُشْرَى " فتتعلق بمحذوف ، والعاملُ في الحال الاستقرارُ في " لهم " لوقوعه خبراً .

قوله : " لا تبْديلَ " جملةٌ مستأنفةٌ ، أي : لا تغيير لقوله ، ولا خلف لوعده .

وقوله : " ذَلِكَ " إشارةٌ للبُشْرَى ، وإن كانت مؤنَّثةً ؛ لأنَّها في معنى التَّبشير ، وقال ابن عطيَّة : إشارةٌ إلى النَّعيم ، وقال الزمخشري{[18524]} : " ذَلِكَ إشارةٌ إلى كونهم مُبشِّرين في الدَّارين " .


[18518]:أخرجه الترمذي (4/463) كتاب الرؤيا: باب قوله: لهم البشرى في الحياة الدنيا...حديث (2275) وابن ماجه (3898) والحاكم (4/391) وأحمد (5/315) والدارمي (2/123) عن عبادة بن الصامت وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/559) وزاد نسبته إلى الطيالسي والهيثم بن كليب والحكيم الترمذي وابن المنذر والطبري وأبي الشيخ وابن مردويه.
[18519]:أخرجه البخاري 12/375، في التعبير: باب المبشرات (6990)، والبيهقي في السنن الكبرى 2/88 وذكره السيوطي في "الدر المنثور".
[18520]:أخرجه مالك في الموطأ 2/956، في الرؤيا: باب ما جاء في الرؤيا (1) وأخرجه البخاري 12/361، في كتاب التعبير: باب الرؤيا الصالحة (6983)، ومسلم 4/1774 في كتاب الرؤيا: باب عقب حديث (7/2264)، ومن رواية أبي هريرة البخاري في كتاب التعبير باب الرؤيا الصالحة (6988)، ومسلم 4/1774 في كتاب الرؤيا: (8/2263) ومن رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه البخاري (6987)، ومسلم (7/2264) ومن رواية أبي سعيد الخدري البخاري (6989).
[18521]:أخرجه مسلم 4/2034، كتاب البر والصلة: باب إذا أثني على الصالح (166-2642) وابن ماجه 2/1412، كتاب الزهد: باب في الثناء الحسن (4225).
[18522]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/581) عن الزهري وقتادة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/562) وعزاه إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنهما. وذكره البغوي في "تفسيره" (2/360).
[18523]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/360).
[18524]:ينظر: الكشاف 2/357.