قوله : { يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم : " ويُثْبِتُ " مخففاً من " أثْبَتَ " والباقون بالتشديد والتضعيف ، والهمزة للتعدية ولا يصح أن يكون التضعيف للتكثير ، إذ من شرطه أن متعدياً قبل ذلك ، ومفعول " يُثْبِتُ " محذوف ، أي : ويثبت ما يشاء والمحو : ذهاب أثر الكتابة ، يقال : مَحَاهُ يَمْحُوهُ مَحْواً ، إذا أذهب أثره .
قوله : " ويُثْبِتُ " قال النحويون : ويثبته إلا أنه استغنى بتعدية الفعل الأول عن تعدية الفعل الثاني ، وهو كقوله عز وجل { والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات } [ الأحزاب : 35 ] .
قال سعيد بن جبير وقتادة " يمحو الله مايشاء " من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله " ويُثْبِتُ " ما يشاء منها فلا ينسخه .
وقال ابن عباس رضي الله عنه : { يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } الرزق والأجل والسعادة والشقاوة .
وعن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا : " يمحو السعادة والشقاوة ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء .
وروي عن عمر رضي الله عنه : أنه كان يطوف بالبيت وهو بيكي يقول : " اللهم إن كنت كتبتي في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كانت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني منها بفضلك وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب " .
ومثله عن ابن مسعود وفي بعض الآثار : أن الرجل قد يكون بقي له من عمره ثلاثون سنة ، فيقطع رحمه فيرد إلى ثلاثة أيام ، والرجل قد بقي له من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيرد إلى ثلاثين سنة .
روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه سلم :
" ينْزِلُ اللهُ سبحانه وتعالى في آخر ثلاث سَاعاتِ يبقين من اللَّيل فنظر في الساعة الاولى منهنَّ في أم الكتاب الذي لا نظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت " .
وقيل : الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم فيمحوا الله من ديوان الحفظة ماليس فيه ثواب ولا عقاب ، كقوله : أكلت . شربت . دخلت . خرجت ، ونحوها من الكلام هو صادق فيه ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، قاله الضحاك والكلبي ورواه أبو بكر الأصم ، لأن الله تعالى قال في وصف الكتاب { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 49 ] .
وقال تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 78 ] .
فأجاب القاضي عنه : بأنه لا يغادر من الذنوب صغير ولا كبيرة ، ويمكن أن يجاب عن هذا : بانكم خصصتم الكبيرة والصغيرة بالذنوب بمجرد اصطلاحكم ، وأمام في أصل اللغة فالصغيرة والكبيرة تتناول كل فعل وعرضٍ ، لأنه إن كان حقيراً فهو صغير وإن كان غير ذلك فهو كبير ، وعلى هذا يتناول المباحات .
وقال عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما : " هو الرجل يعمل بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلاله ، فهو الذي يمحو والذي يثبت هو الرجل يعمل بطاعة الله فيموت في طاعته فهو الذي يثبت " .
وقال الحسن : { يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ } أي : من جاء أجله يذهب به ويثبت من لم يجىء أجله إلى أجله .
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه : يمحو الله ما يشاء : من ذنوب العباد ويغفرها وثبت ما يشاء فلا يغفرها .
وقال عكرمة : ما يشاء من الذنوب بالتوبة ، ويثبت بدل الذنوب حسنات ، كما قال الله تعالى { فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] وقيل غير ذلك .
قوله { وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب } أي : أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ الذي لايبدل ولا يغير ، والأم : أصل الشيء ، والعرب تسمي كل ما يجري مجرى الأصل للشيء أمَّا له ، ومنه أم الرأس للدماغ ، وأم القرى لمكة ، وكد مدينة فهي أمّ لما حولها من القرى .
قال ابن عباس في رواية عكرمة : هما كتابان : كتاب سمي أم الكتاب يمحو ما يشاء منه ويثبت وأم الكتاب لا يغيرمنه شيء ، وعلى هذا فالكتاب الذي يمحو منه ويثبت هو الكتاب الذي تكتبه الملائكة على الخلق .
وعن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم قال : إن لله لوحاً محفوظاً مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء له دفتان من ياقوت ، لله فيه كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة يمحوا ما يشاء ويثبت { وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب } [ وسأل ابن عباس كعباً عن أم الكتاب ] فقال : " علم الله ما خلقه ما هو خالقه إلى يوم القيامة " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.