اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (117)

قوله : «وَمَنْ يَدْعُ » شرط ، وفي جوابه وجهان :

أحدهما{[33566]} : أنه{[33567]} قوله : «فَإِنَّما{[33568]} حِسَابُهُ » ، وعلى هذا ففي الجملة المنفية وهي قوله : { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } وجهان :

أحدهما : أنها صفة ، ل «إِلهاً »{[33569]} وهي صفة لازمة{[33570]} ، أي : لا يكون الإله المَدْعو من دون الله إلاّ كذا ، فليس لها مفهوم لفساد المعنى . ومثله { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ }{[33571]} [ الأنعام : 38 ] لا يفهم أنّ ثمَّ إِلهاً آخر مَدْعُوًّا من دون الله له برهان ، وأن ثمَّ طَائِراً{[33572]} يطيرُ بغير جناحيه .

والثاني : أنها جملة اعتراض بين الشرط وجوابه ، وإلى{[33573]} الوجهين أشار الزمخشري بقوله وهي صفة لازمة كقوله : «يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ »{[33574]} جِيءَ بها للتوكيد لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان ، ويجوز أن يكون اعتراضاً بين الشرط والجزاء كقولك : مَنْ أَحْسَن إلى زيدٍ لا أحد أَحقُّ بالإحسان منه فاللَّهُ مثيبه {[33575]} .

والثاني من الوجهين الأَولين : أن جواب الشرط قوله : { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } كأنه فرَّ من مفهوم الصفة لِمَا يلزم من فساده ، فوقع في شيء لا يجوز إِلاّ في ضرورة شعر ، وهو حذف فاء الجزاء من الجملة الاسمية{[33576]} كقوله :

مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرهَا *** والشَّرُّ بِالشَّر عِنْدَ اللَّهِ سِيَّانِ{[33577]}

وقد تقدّم تخريج كون { لاَ بُرْهَانَ لَهُ } على الصفة ، ولا إشكال ، لأنها صفة لازمة ، أو على أنها جملة اعتراض{[33578]} .

فصل

لمّا بيَّن أنَّه { الملك الحق لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ } أتبعهُ بأن من ادّعى إلهاً آخر فقد ادّعى باطلاً ، لأنه { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } لا حجّة ولا بيّنة ، لأنه لا حجّة في دعوى الشرك ، وهذا يدل على صحة النظر وفساد التقليد . ثم قال : «فَإِنَّما حِسَابُهُ » أي : جزاؤه عند ربه يجازيه بعمله كما قال : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }{[33579]} [ الغاشية : 26 ] كأنّه قال : إن عقابه بلغ إلى حيث لا يقدر أحد على حسابه إلاّ الله{[33580]} .

قوله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون } فشتّان ما بين فاتحة السورة وخاتمتها . قرأ الجمهور بكسر همزة ( إنّه ) على الاستئناف المفيد للعلة{[33581]} . وقرأ الحسن وقتادة «أَنَّه » بالفتح{[33582]} ، وخرّجه الزمخشري على أن يكون خبر «حِسَابُه » قال : ومعناه حسابه عدم الفلاح ، والأصل حساب أنّه لا يفلح هو ، فوضع الكافرون في موضع الضمير ، لأن «مَنْ يَدْعُ » في موضع الجمع ، وكذلك حسابه أنّه لا يفلح في معنى حسابهم أنهم لا يفلحون{[33583]} . انتهى .

ويجوز أن يكون ذلك على حذف حرف العلة أي : لأنّه لا يفلح{[33584]} . وقرأ الحسن : «لاَ يَفْلحُ »{[33585]} مضارع ( فَلح ) بمعنى ( أَفْلَح ) ( فَعَل ) و ( أَفْعَل ) فيه بمعنى ، والله أعلم .

فصل

المعنى لا يسعد من جحَد وكذّب ،


[33566]:في ب: أصحهما.
[33567]:في الأصل: صفة أنه.
[33568]:في ب: فإنه. وهو تحريف.
[33569]:في ب: لأنها. وهو تحريف.
[33570]:انظر الكشاف 3/58، تفسير ابن عطية 10/411، التبيان 2/962، البحر المحيط 6/424 – 425.
[33571]:[الأنعام: 38].
[33572]:في ب: طائر.
[33573]:في ب: وال. وهو تحريف.
[33574]:[الأنعام: 38].
[33575]:الكشاف 3/425.
[33576]:انظر تفسير ابن عطية 10/411، البحر المحيط 6/425.
[33577]:البيت من بحر البسيط، قاله حسان بن ثابت، وليس في ديوانه، وقيل: عبد الرحمن بن حسان، وقيل: كعب بن مالك. وقد تقدم.
[33578]:انظر الوجه الأول، وقد تقدم قريبا.
[33579]:[الغاشية: 26].
[33580]:انظر الفخر الرازي 23/129.
[33581]:انظر التبيان 2/962، البحر المحيط 6/425.
[33582]:المختصر (99)، المحتسب 2/98، الكشاف 3/58، البحر المحيط 6/425.
[33583]:الكشاف 3/58.
[33584]:انظر التبيان 2/962.
[33585]:المختصر (99)، البحر المحيط 6/425.