قوله : «وَمَنْ يَدْعُ » شرط ، وفي جوابه وجهان :
أحدهما{[33566]} : أنه{[33567]} قوله : «فَإِنَّما{[33568]} حِسَابُهُ » ، وعلى هذا ففي الجملة المنفية وهي قوله : { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } وجهان :
أحدهما : أنها صفة ، ل «إِلهاً »{[33569]} وهي صفة لازمة{[33570]} ، أي : لا يكون الإله المَدْعو من دون الله إلاّ كذا ، فليس لها مفهوم لفساد المعنى . ومثله { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ }{[33571]} [ الأنعام : 38 ] لا يفهم أنّ ثمَّ إِلهاً آخر مَدْعُوًّا من دون الله له برهان ، وأن ثمَّ طَائِراً{[33572]} يطيرُ بغير جناحيه .
والثاني : أنها جملة اعتراض بين الشرط وجوابه ، وإلى{[33573]} الوجهين أشار الزمخشري بقوله وهي صفة لازمة كقوله : «يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ »{[33574]} جِيءَ بها للتوكيد لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان ، ويجوز أن يكون اعتراضاً بين الشرط والجزاء كقولك : مَنْ أَحْسَن إلى زيدٍ لا أحد أَحقُّ بالإحسان منه فاللَّهُ مثيبه {[33575]} .
والثاني من الوجهين الأَولين : أن جواب الشرط قوله : { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } كأنه فرَّ من مفهوم الصفة لِمَا يلزم من فساده ، فوقع في شيء لا يجوز إِلاّ في ضرورة شعر ، وهو حذف فاء الجزاء من الجملة الاسمية{[33576]} كقوله :
مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرهَا *** والشَّرُّ بِالشَّر عِنْدَ اللَّهِ سِيَّانِ{[33577]}
وقد تقدّم تخريج كون { لاَ بُرْهَانَ لَهُ } على الصفة ، ولا إشكال ، لأنها صفة لازمة ، أو على أنها جملة اعتراض{[33578]} .
لمّا بيَّن أنَّه { الملك الحق لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ } أتبعهُ بأن من ادّعى إلهاً آخر فقد ادّعى باطلاً ، لأنه { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } لا حجّة ولا بيّنة ، لأنه لا حجّة في دعوى الشرك ، وهذا يدل على صحة النظر وفساد التقليد . ثم قال : «فَإِنَّما حِسَابُهُ » أي : جزاؤه عند ربه يجازيه بعمله كما قال : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }{[33579]} [ الغاشية : 26 ] كأنّه قال : إن عقابه بلغ إلى حيث لا يقدر أحد على حسابه إلاّ الله{[33580]} .
قوله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون } فشتّان ما بين فاتحة السورة وخاتمتها . قرأ الجمهور بكسر همزة ( إنّه ) على الاستئناف المفيد للعلة{[33581]} . وقرأ الحسن وقتادة «أَنَّه » بالفتح{[33582]} ، وخرّجه الزمخشري على أن يكون خبر «حِسَابُه » قال : ومعناه حسابه عدم الفلاح ، والأصل حساب أنّه لا يفلح هو ، فوضع الكافرون في موضع الضمير ، لأن «مَنْ يَدْعُ » في موضع الجمع ، وكذلك حسابه أنّه لا يفلح في معنى حسابهم أنهم لا يفلحون{[33583]} . انتهى .
ويجوز أن يكون ذلك على حذف حرف العلة أي : لأنّه لا يفلح{[33584]} . وقرأ الحسن : «لاَ يَفْلحُ »{[33585]} مضارع ( فَلح ) بمعنى ( أَفْلَح ) ( فَعَل ) و ( أَفْعَل ) فيه بمعنى ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.