مدنية{[1]} وهي أربع وستون آية ، وألف وثلاثمائة{[2]} وست عشرة كلمة ، وخمسة آلاف وستمائة وثمانون حرفا .
بسم الله الرحمن الرحيم{[33592]}
( قوله تعالى{[33593]} ) : { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } الآية .
قرأ العامة «سُورَةٌ » بالرفع ، وفيه{[33594]} وجهان :
أحدهما : أن تكون مبتدأ ، والجملة بعدها صفة لها ، وذلك هو المُسَوِّغ للابتداء بالنكرة ، وفي الخبر وجهان :
أحدهما : أنه الجملة من قوله : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي » .
( وإلى هذا نحا ابن عطية فإنه قال : ويجوز أن تكون مبتدأ ، والخبر «الزَّانِيَةُ والزّانِي » ){[33595]} وما بعد ذلك . والمعنى : السورةُ المُنَزَّلةُ والمفروضة كذا وكذا ، إذ السورة عبارة عن آيات مَسْرُودَة لها بدْءٌ وخَتْمٌ {[33596]} .
والثاني : أن الخبر محذوف ، أي : فيما يُتْلَى عليكم سورةٌ ، أو فيما أنزلنا سورة{[33597]} .
والوجه الثاني من الوجهين الأولين : أن تكون خبراً لمبتدأ مضمر ، أي : هذه ( سورة{[33598]} ){[33599]} .
وقال أبو البقاء : ( سورة ) بالرفع على تقدير : هذه سورةٌ ، أو فيما يتلى عليك{[33600]} سورة ، فلا تكون ( سورة ) مبتدأ ، لأنها نكرة {[33601]} .
وهذه عبارة مشكلةٌ على ظاهرها ، كيف يقول : «لا تكون مبتدأ » مع تقديره : فيما يُتلى عليك سورةُ ؟ وكيف يُعَلِّلُ المنعَ بأنها نكرة مع تقديره لخبرها جاراً مقدماً عليها ، وهو مسوغ للابتداء بالنكرة ؟ وقرأ عمر{[33602]} بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهد وأبو حيوة وطلحة بن مصرف «سُورَةً » بالنصب{[33603]} ، وفيها{[33604]} أوجه :
أحدها : أنها منصوبة بفعل مُقَدَّر غير مُفَسَّرٍ بما بعده ، تقديره : «اتْلُ سُورَةً » أو «اقرأ سورة »{[33605]} .
والثاني : أنها منصوبة بفعل مضمر يفسره ما بعده ، والمسألة من الاشتغال ، تقديره : «أنزلنا سورةً ( أنزلناها{[33606]} » ){[33607]} .
والفرق بين الوجهين : أنَّ الجملة بعد «سُورَةً » في محل نصب على الأول ، ولا محل لها على الثاني{[33608]} .
الثالث : أنها منصوبة على الإغراء ، أي : دونك سورةً ، قاله الزمخشري{[33609]} . ورده أبو حيان بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء{[33610]} . واستشكل أبو حيان أيضاً على وجه الاشتغال جواز الابتداء بالنكرة من غير مسوغ{[33611]} ، ومعنى ذلك أنه ما مِنْ موضع يجوز ( فيه ){[33612]} النصب على الاشتغال إلاَّ ويجوز أن يُرْفَعَ على الابتداء ، وهنا لو رفعت «سُورَةً » بالابتداء لم يَجُزْ ، إذ لا مسوغ ، فلا يقال : «رجلاً{[33613]} ضربتُه » لامتناع «رجل ضربتُه » ، ثم أجاب بأنه إن اعْتُقِدَ حذف وصفٍ جاز ، أي : «سُورة مُعَظَّمةً{[33614]} أو مُوَضّحَةً أنزلناها » فيجوز ذلك{[33615]} .
الرابع : أنها منصوبة على الحال من «ها » في «أَنْزَلْنَاهَا » ، والحال من المكنيّ يجوز أن يتقدم عليه ، قاله الفراء{[33616]} .
وعلى هذا فالضمير في «أَنْزَلْنَاهَا » ليس عائداً على «سُورَةً » بل على الأحكام ، كأنه قيل : أنزلنا الأحكام سورةً من سُوَر القرآن ، فهذه الأحكام ثابتةٌ بالقرآن بخلاف غيرها فإنه قد ثبت بالسُّنّة{[33617]} ، وتقدم معنى الإنزال .
قوله{[33618]} : «وفرضناها » قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديد{[33619]} . والباقون بالتخفيف {[33620]} .
فالتشديد إمَّا للمبالغة في الإيجاب وتوكيد ، وإمَّا المَفْرُوض عليهم ، وإمَّا لتكثير الشيء المفروض . والتخفيف بمعنى : أَوْجَبْنَاهَا وجعلناها مقطوعاً بها . وقيل : ألزمناكم العمل بها وقيل : قدرنا ما فيها من الحدود .
والفرض : التقدير ، قال الله ( تعالى ){[33621]} : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ }{[33622]} [ البقرة : 237 ] أي : قدرتم ، { إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن }{[33623]} [ القصص : 85 ] . ثم إنَّ السورة لا يمكن فرضها لأنها قد دخلت في الوجود ، وتحصيل الحاصل محال ، فوجب أن يكون المراد : فرضنا ما بيِّن فيها من الأحكام{[33624]} ، ثم قال : { وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ{[33625]} بَيِّنَاتٍ } واضحات . «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » تتعظون ، وأراد ب «الآيَات » ما ذكر في السورة من الأحكام والحدود ودلائل التوحيد .
وقرئ «تَذَكَّرُونَ » بتشديد الذال وتخفيفها{[33626]} . وتقدم معنى «لَعَلَّ » في سورة البقرة{[33627]} .
قال القاضي : «لَعَلّ » بمعنى «كَيْ »{[33628]} .
فإن قيل : الإنزال يكون من صعود إلى نزول ، وهذا يدل على أنه تعالى في جهة ؟
فالجواب : أن جبريل كان يحفظها من اللوح ثم ينزلها{[33629]} على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل : «أنْزَلْنَاهَا » توسعاً .
وقيل : إن الله تعالى أنزلها من أم الكتاب إلى السماء الدنيا دفعة واحدة ، ثم أنزلها بعد ذلك على لسان جبريل - عليه السلام{[33630]} .
وقيل : معنى «أنزلناها » : أعطيناها الرسول ، كما يقول العبد إذا كلم{[33631]} سيّده : رفعت إليه حاجتي ، كذلك يكون من السيد إلى العبد الإنزال ، قال الله تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه{[33632]} }{[33633]} [ فاطر : 10 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.