قوله : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ } وهو الماء الذي يستقون منه وهو بئر ، ووروده : مجيئه ، والوصول إليه ، «وَجَدَ عليه » أي : على شفيره ( «أمَّةً » جماعة كثيفة العدد «مِنَ النَّاسِ » مختلفين «يَسْقُونَ » منها مواشيهم ){[39962]} ، { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ } أي : سوى الجماعة ، وقيل : في مكان أسفل من مكانهم{[39963]} .
قوله : «امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ » ف «تذودان » صفة ل «امْرَأَتِيْنِ » لا مفعول ثان ، لأَنَّ «وَجَدَ » بمعنى : لقي ، والذَّودُ ، الطرد{[39964]} والدفع{[39965]} ، قال :
3985 - فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِهِ{[39966]} *** . . .
وقيل : حبس{[39967]} : ومفعوله محذوف ، أي : يَذُودانِ النَّاسَ عن غَنمهما{[39968]} ، أو عن مزاحمة الناس{[39969]} ، وقال{[39970]} الزمخشري : لم ترك المفعول غير مذكور في «يَسْقُونَ » و «تَذُودَانِ » و «لاَ نَسْقِي » ، قُلتُ : لأنَّ الغرض هو الفعل لا المفعول ، وكذلك قَوْلهُمَا : { لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعاء } المقصود منه السَّقي لا المَسْقِيّ{[39971]} .
واختلفوا في السبب المقتضي لذلك الحبس ، فقال الزجاج : لئلا تختلط أغنامهما{[39972]} بأغنامهم ، وقيل : لئلا يختلطن بالرجال ، وقيل : كانتا تذودان عن وجوههما نظر الرجال لتسترهما{[39973]} ، وقيل : تذودان الناس عن غنمهما{[39974]} ، وقال الفراء : يحبسانها لئلا تتفرق وتتسرب{[39975]} ، وقيل : تذودان أي : معهما قطيع من الغنم ، والقطيع من الغنم يسمى : ذوداً ، وكذلك قطيع البقر وقطيع الإبل . قال عليه السلام : «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذوْدٍ صَدَقَة »{[39976]} وقال الشاعر :
3986 - ثَلاَثَةُ أَنْفُسٍ ، وَثَلاَثُ ذَوْدٍ *** لَقَدْ جَارَ الزَّمَانُ عَلَى عِيَالِي{[39977]} ) {[39978]}
قوله : «مَا خَطْبكُمَا » تقدم في طه{[39979]} ، وقال الزمخشري : هنا حقيقته : مَا مخطُوبُكما ؟ أي : ما مطلُوبُكُمَا من الذياد ؟ فسمي المخطُوب خطباً كما سمي المشئُونُ شأْناً في قولك : ما شأنُكَ ؟ يقال : شَأنْتُ شَأْنَهُ ، أي : قَصَدْتُ قَصْدَه{[39980]} . وقال ابن عطية : السؤال بالخطب{[39981]} إنما هو في مُصَاب أو مُضطهد أو مَنْ يُشْفقُ عليه أو يأتي بمنكر من الأمر{[39982]} .
وقرأ شَمِر{[39983]} «خِطْبَكُمَا » بالكسر أي : ما زوجكما ؟ أي : لِمَ تَسْقِيَانِ وَلَمْ يَسْقِ زَوْجُكُمَا ؟ وهي شاذة جداً{[39984]} .
قوله : { حتى يُصْدِرَ الرعاء } قرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر بفتح الياء وضم الدال من صَدَرَ يَصْدُرُ وهو قاصر ، أي : حتى يرجع الرعاء : أي{[39985]} : يرجعون بمواشيهم والباقون{[39986]} بضم الياء وكسر الدال مضارع أَصدرَ{[39987]} مُعدًّى بالهمزة ، والمفعول محذوف ، أي : يُصدرُونَ مواشِيهم{[39988]} ، والعامة على كسر الراء{[39989]} من «الرِّعَاء » ، وهو جمع تكسير غير مقيس لأنَّ فاعلاً الوصف المعتل اللام كقاضٍ قياسه ( فُعَلَة ) نحو قُضَاة ورُمَاة{[39990]} .
وقال الزمخشري{[39991]} : وأما الرِّعَاء بالكسر فقياس كصِيام وقِيام{[39992]} . وليس كما ذكر ( لِمَا ذَكَرْنَاهُ ){[39993]} . وقرأ أبو عمرو - في رواية{[39994]} - بفتح الراء . قال أبو الفضل : هو مصدر أقيم مقام الصفة فلذلك استوى فيه الواحد والجمع أو على حذف مضاف{[39995]} ، وقرئ بضمها{[39996]} ، وهو اسم جمع كرخال{[39997]} وثُنَاء{[39998]} . وقرأ ابن مصرف «لا نُسْقِي » بضم النون{[39999]} من أَسْقَى ، وتقدم الفرق بين سَقَى وأَسْقَى في النحل{[40000]} ، والمعنى لا نسقي حتى يرجع الرّعاء عن الماء ، والرّعاء جمع راع مثل تاجر وتِجَار{[40001]} ، أي : نحن امرأتان لا نطيق أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا مواشينا ما أفضلت مواشيهم في الحوض ، و { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } لا يقدر أن يسقي مواشيه ولذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم{[40002]} .
قال مجاهد والضحاك والسدي والحسن : أبوهما {[40003]}هو شعيب النبي صلى الله عليه وسلم{[40004]} . ( وإنه عاش عمراً طويلاً بعد هلاك قومه حتى أدركه موسى عليه السلام ، وتزوج بابنته ) . وقال وهب وسعيد بن جبير : هو يثرون ابن أخي شعيب ( وكان شعيب ){[40005]} قد مات بعد{[40006]} ذلك بعدما كف بصره فدفن بين المقام وزمزم{[40007]} . وقيل : رجل ممن آمن بشعيب{[40008]} . قالوا : فلما سمع{[40009]} قولهما رحمهما فاقتلع صخرة من رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس{[40010]} ، وقال ابن إسحاق : إنَّ موسى زاحم القوم ونحاهم عن رأس البئر فسقى غنم المرأتين{[40011]} . وروي أن القوم لمَّا رجعوا بأغنامهم غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشر{[40012]} نفر ، فجاء موسى فرفع الحجر وحده ، وسقى غنمهما{[40013]} ، ويقال : إنه نزع ذنوباً واحداً ودعا فيه بالبركة فروي منه جميع الغنم{[40014]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.