اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (29)

ثم استأذنه في العود إلى مصر ، فأذن له فخرج بأهله إلى جانب الطور{[46]} . «آنسَ » أي : أبصر { مِن جَانِبِ الطور نَاراً } وكان في{[40175]} البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلقُ ، فقال { لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً لعلي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ } عن الطريق لأنه كان قد أخطأ الطريق{[40176]} .

قوله «أَوْ جُذْوَةٍ » قرأ حمزة{[40177]} بضم الجيم ، وعاصم بالفتح ، والباقون بالكسر{[40178]} وهي لغات في العُود الذي في رأسه نار{[40179]} ، هذا هو المشهور ، قال السُّلَمي{[40180]} :

3991 - حَمَا حُبُّ هذي النَّارِ حُبَّ خَلِيلَتِي *** وَحُبُّ الغَوَانِي فهو دُونَ الحُبَاحِبِ

وَبُدِّلْتُ بعدَ المِسْك وألبان شِقْوَةً *** دُخَان الجذَا في رأْسِ أَشْمَطَ شَاحِبِ{[40181]}

وقيده بعضهم فقال : في رأسه نار من غير{[40182]} لهب{[40183]} ، قال ابن مُقبل{[40184]} :

3992 - بَاتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمسن لَهَا *** جِزَالَ الجِذَا غَيْرَ خَوَّارٍ وَلاَ دَعِرِ{[40185]}

الخوَّار الذي يتقصف ، والدَّعِرُ الذي فيه لهب . وقد ورد ما يقتضي وجود اللهب فيه ، قال الشاعر :

3993 - وَأَلْقَى عَلَى قَبسٍ من النار جُذْوَةً *** شديداً عَلَيْها حَرُّها والتِهَابُهَا{[40186]}

وقيل : الجذوة : العودُ الغليظُ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن{[40187]} ، وليس المراد هنا إلا ما يكون{[40188]} في رأسه نارٌ .

قوله «مِنَ النَّارِ » صفة ل «جَذْوَة » ولا يجوز تعلقها ب «آتِيكُم » ، كما تعلق بها«مِنْهَا » ، لأن هذه النار ليست النار المذكورة ، والعرب إذا تقدَّمت نكرة وأرادت{[40189]} إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً أو معرَّفةً بأل العهدية ، وقد جُمِعَ الأمران هنا . «لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ » تستدفئون .


[46]:- البيت لابن خلكان القناني: ينظر إصلاح المنطق: ص 134، والمقاصد النحوية: 1/154، ولسان العرب: (سما)، وشرح المفصل: 1/42، وأوضح المسالك:1/34، والإنصاف: ص15، وأسرار العربية: ص9، والمغني: 1/154.
[40175]:في: سقط من ب.
[40176]:انظر البغوي 6/338.
[40177]:حمزة: سقط من ب.
[40178]:السبعة (493)، الكشف 2/173، النشر 2/341، الإتحاف (342).
[40179]:قال الزمخشري: (الجذوة باللغات الثلاث، وقرئ بهنَّ جميعاً العود الغليظ كانت في رأسه نار أو لم تكن) الكشاف 3/165، وانظر التبيان 2/1019.
[40180]:هو أشجع بن عمرو السلميّ، ويكنى أبا الوليد، من ولد الشريف بن مطرود السلمي. الخزانة 1/296-299.
[40181]:البيتان من بحر الطويل، قالهما أشجع بن عمرو السُّلمي، وهما في تفسير ابن عطية 11/295، البحر المحيط 7/103.
[40182]:غير: سقط من ب.
[40183]:وهو أبو عبيدة فإنه قال: ("أو جذوةٍ من النار" أي: قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لهب) مجاز القرآن 2/102.
[40184]:هو تميم بن أبي بن مقبل، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان يبكي أهل الجاهلية وبلغ مائة وعشرين سنة. الخزانة 1/231-233.
[40185]:البيت من بحر البسيط قاله ابن مقبل، وهو في ديوانه (91) ونسبه الزمخشري في الكشاف إلى كثير، انظر الكشاف 3/165 وهو في مجاز القرآن 2/103، الكامل 2/683، تفسير ابن عطية 11/294، القرطبي 13/281، اللسان (جذا) البحر المحيط 7/103، شرح شواهد الكشاف (53) الحواطب: جمع حاطبة، وهي صفة نابت عن موصوفها، والأصل: أمة حاطبة أي: تجمع الحطب. الجزل: ما عظم من الحطب ويبس. الجذا: جمع جذوة، والعود الذي في طرفه نار بدون لهب. وهو موطن الشاهد. الخوار: الذي يتقصف. الدعر: الذي فيه لهب.
[40186]:البيت من بحر الطويل، لم أهتد إلى قائله، وهو في الكشاف 3/165، القرطبي 13/281، البحر المحيط 7/103، شرح شواهد الكشاف (136).
[40187]:انظر الكشاف 3/165.
[40188]:يكون: سقط من ب.
[40189]:في ب: وأعادت. وهو تحريف.