اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

لمَّا بيَّن دلائلَ التوحيدِ والنبوَّةِ ، وصحة دينِ الإسلام ، وذكر صفاتِ المخالفين ، وشدةَ عنادِهم وغُرُورِهم ، ثم ذكر وعيدَهم بجمعهم يوم القيامة ، أمر رسوله - عليه السلام - بدعاءٍ وتمجيدٍ يخالف طريقةَ هؤلاءِ المعاندين .

قوله : " اللَّهُمَّ " اختلف البصريون والكوفيون في هذه اللفظةِ .

قال البصريون : الأصل : يا الله ، فحُذِفَ حَرْفُ النداءِ ، وعُوِّضَ عنه هذه الميمُ المشددة ، وهذا خاصٌّ بهذا الاسم الشريف ، فلا يجوز تعويضُ الميم من حرف النداء في غيره ، واستدلوا على أنها عِوَضٌ من " يا " بأنهم لم يجمعوا بينهما إلا في ضرورة الشعر ، كقوله : [ الرجز ]

وَمَا عَلَيْكِ أنْ تَقُولِي كُلَّمَا *** سَبَّحْتِ أوْ هَلَّلْتِ يَا اللَّهُمَّ مَا

أُرْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخَنَا مُسَلَّمَا *** فَإنَّنَا مِنْ خَيْرِهِ لَنْ نُعْدَمَا{[5299]}

وقَوْلِ الآخر : [ الرجز ]

إنِّي إذَا مَا حَدَث ألَمَّا *** أقُولُ : يَا اللَّهُمَّ ، يَا اللَّهُمَّا{[5300]}

وقال الكوفيون : الميم المشددة بَقِيَّةُ فِعْل محذوفٍ ، تقديره : أمَّنَا بخير ، أي : اقْصِدنا به ، من قولك : أمَمْتُ زيداً ، أي : قصدته ، ومنه : { وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } [ المائدة : 2 ] أي : قاصديه ، وعلى هذا فالجمع بين " يا " والميم ليس بضرورةٍ عندهم ، وليست عوضاً منها .

وقد رَدَّ عليهمُ البصريون هذا بأنه قد سُمِعَ : اللهمَّ أمَّنا بخير ، وقال تعالى : { اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } [ الأنفالِ : 32 ] فقد صرَّح بالمدعُوِّ به ، فلو كانت الميمُ بقيةَ " أمَّنَا " لفسد المعنى ، فبان بُطْلانهُ .

وهذا من الأسماء التي لزمت النداءَ ، فلا يجوز أن يقع في غيره ، وقد وقع في ضرورة الشعر كونه فاعلاً ، أنشد الفرّاء : [ مخلّع البسيط ]

كَحَلْفَةٍ مِنْ أبِي دِثَارٍ *** يَسْمَعُهَا اللَّهُمَ الْكُبَارُ{[5301]}

استعمله - هاهنا - فاعلاً بقوله : يسمعها .

ولا يجوز تخفيفُ الميم ، وجوَّزه الفراء ، وأنشد البيت : بتخفيف الميم ؛ إذ لا يمكن استقامةُ الوزن إلا بذلك .

قال بعضهم : هذا خطأ فاحشٌ ، وذلك لأن الميم بقية " أمَّنَا " - على رأي الفراء - فكيف يجوزه الفراء ؟ وأجاب عن البيت بأن الرواية ليست كذلك ، بل الرواية : [ مخلّع البسيط ]

. . . *** يَسْمَعُهَا لاَهُهُ الْكُبَارُ

قال شهابُ الدينِ{[5302]} : " وهذا لا يعارِض الرواية الأخرى ؛ فإنه كما صحّت هذه صحت تلك " .

ورد الزّجّاج مذهب الفراء بأنه لو كان الأصل : يا الله آمَّنا للفْظِ به مُنَبِّهاً على الأصل ، كما قالوا - في وَيلمِّهِ - : وَيْلٌ لأمِّهِ .

وردوا مذهب الفراءِ - أيضاً - بأنه يلزم منه جواز أن تقول : يا اللهم ، ولما لم يَجُزْ ذلك علمنا فساد قولِ الفراءِ ، بل نقول : كان يجب أن يكون حرف النداء لازماً ، كما يقال : يا الله اغفر لي ، وأجاب الفراء عن قول الزَّجَّاجِ بأن أصله - عندنا - أن يقال : يا الله أمَّنا - ومن يُنْكِر جوازَ التكلم بذلك - ؟ وأيضاً فلأن كثيراً من الألفاظ لا يجوز فيها إقامةُ الفرع مُقامَ الأصل ، ألا ترى أنَّ مذهب الخليل وسيبويه أن " ما أكرمه " معناه : شيء أكرمه ، ثم إنه - قط - لا يُسْتَعْمَل هذا الكلام - الذي زعموا أنه هو الأصل - في معرض التعجُّب ، فكذا هنا .

وأجاب عن الرد الثاني بقوله : مَن الذي يُسَلِّم لكم أنه لا يجوز أن يقال : يا اللهمَّ ، وأنشد قول الراجز المتقدم يا اللّهمّ ، وقول البصريين : هذا الشعر غير معروف ، فحاصله تكذيب النقل ، ولو فتحنا هذا البابَ لم يَبْقَ من اللغة والنحو شيءٌ سَلِيماً من الطعن .

وقولهم : كان يلزم ذكر حرف النداء ، فقد يُحْذَف حرف النداءِ ، كقوله : { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ } [ يوسف : 46 ] فلا يبعد أن يُخَصَّ هذا الاسم بالتزام الحذف .

واحتج الفراء على فساد قول البصريين بوجوه :

أحدها : أنا لو جعلنا الميم قائماً مقام حرف النداء ، لكنا قد أجزنا تأخير حرف النداء عن ذكر المنادى فيقال : الله يا ، وهذا لا يجوز البتة .

ثانيها : لو كان هذا الحرف قائماً مقام النداء لجاز مثلُه في سائر الأسماءِ ، فيقال : زيدُمَّ ، وبكرُمَّ كما يجوز يا زيد ، يا بَكر .

ثالثها : لو كانت الميم بدلاً عن حرف النداء لما اجتمعا ، لكنهما اجتمعا في الشعر الذي رويناه .

ومن أحكام هذه اللفظة أنها كثر دورها ، حتى حذفت منها الألف واللام - في قولهم : لا هُمَّ - أي : اللهم .

قال الشاعرُ : [ الرجز ]

لاهُمَّ إنَّ عَامِرَ بْنَ جَهْمِ *** أحْرَمَ حَجًّا فِي ثِيَابٍ دُسْمِ{[5303]}

وقال آخرُ : [ الرجز ]

لاهُمَّ إنَّ جُرْهُماً عِبَادُكَا *** النَّاسُ طُرْقٌ وَهُمْ بِلادُكَا{[5304]}

قوله : { مَالِكَ الْمُلْكِ } فيه أوجه :

أحدها : أنه بدل من " اللَّهُمَّ " .

الثاني : أنه عطف بيان .

الثالث : أنه منادًى ثانٍ ، حُذِف منه حرف النداء ، أي : يا مالكَ الملك ، وهذا هو البدل في الحقيقة ؛ إذ البدل على نية تكرار العامل ؛ إلا أن الفرق أن هذا ليس بتابعٍ .

الرابع : أنه نعت ل " اللَّهُمَّ " على الموضع ، فلذلك نُصِبَ ، وهذا ليس مذهبَ سيبويه ؛ لأنه لا يُجيز نعتَ هذه اللفظة ؛ لوجود الميم في آخرها ؛ لأنها أخرجتها عن نظائِرها من الأسماء ، وأجاز المبرّدُ ذلك ، واختارَه الزّجّاج ، قالا : لأن الميم بدل من " يا " والمنادى مع " يا " لا يمتنع وصفه ، فكذا مع ما هو عوضٌ منها ، وأيضاً فإن الاسمَ لم يتغير عن حكمه ؛ ألا ترى إلى بقائه مبنيًّا على الضم كما كان مبنيًّا مع " يا " .

وانتصر الفارسيّ لسيبويه ، بأنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد " اللَّهُمَّ " ، فإذا خالف ما عليه الأسماء الموصوفة ، ودخل في حيِّز ما لا يوصَف من الأصوات ، وجب أن لا يُوصف . والأسماء المناداة ، المفردة ، المعرفة ، القياس أن لا تُوصَف - كما ذهب إليه بعضُ الناسِ ؛ لأنها واقعة موقع ما لا يوصف وكما أنه لما وقع موقع ما لا ذهب إليه بعضُ الناسِ ؛ لأنها واقعة موضع ما لا يوصف وكما أنه لما موقع ما لا يعرب لم يعرب ، كذلك لما وقع موقع ما لا يوصف لم يوصف ، فأما قوله : [ الرجز ]

يا حَكَمُ الْوَارِثُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكْ *** . . . {[5305]}

[ وقوله ] : [ الرجز ]

يَا حَكَمُ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودْ *** سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ{[5306]}

وقوله : [ الوافر ]

فَمَا كَعْبُ بْنُ مَامَةَ وَابْنُ سُعْدَى *** بِأجْوَدَ مِنْكَ يَا عُمَرَ الجَوادَا{[5307]}

فإن الأول على أنت .

والثاني على نداء ثانٍ

والثالث : على إضمار أعني .

فلما كان هذا الاسم الأصل فيه أن لا يوصَف ؛ لما ذكرنا ، كان " اللهم " أولى أن لا يوصَف ، لأنه قبل ضَمِّ الميم إليه واقعٌ موقع ما لا يوصَف ، فلما ضُمَّت إليه الميم صِيغ معها صياغةً مخصوصةً فصال حكمه حكم الأصْوات ، وحكم الأصوات أن لا توصف نحو غاقٍ ، وهذا - مع ما ضُمَّ إليه من الميم - بمنزلة صوت مضمومٍ إلى صوتٍ نحو حَيَّهَلْ ، فحقه أن لا يوصَف ، كما لا يوصَف حيَّهَلْ .

قال شهابُ الدينِ{[5308]} : " هذا ما انتصر به أبو علي لسيبويه ، وإن كان لا ينتهض مانعاً " .

قوله : " تُؤتِي " هذه الجملة ، وما عُطِفَ عليها يجوز أن تكون مستأنفةً ، مبينة لقوله : { مَالِكَ الْمُلْكِ } ويجوز أن تكون حالاً من المنادى .

وفي انتصاب الحال من المنادى خلاف ، الصحيح جوازه ؛ لأنه مفعول به ، والحال - كما يكون لبيان هيئة الفاعل - يكون لبيان هيئةِ المفعول ، ولذلك أعرَبَ الْحُذَّاقُ قولَ النابغة : [ البسيط ]

يَا دَار مَيَّة بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ *** أقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الأبدِ{[5309]}

" بالعلياء " حالاً من " دار مية " ، وكذلك " أقوت " .

والثالث من وجوه " تُؤتِي " : أن تكون خبرَ مُبتدأ مضمر ، أي : أنت تؤتي ، فتكون الجملة اسمية وحينئذ يجوز أن تكون مستأنفةً ، وأن تكون حالية .

قوله : " تشاء " أي : تشاء إيتاءَه ، وتشاء انتزاعه ، فحذف المفعول بعد المشيئة ؛ للعلم به ، والنزع : الجذب ، يقال : نَزَعَه ، ينزعه ، نزعاً - إذا جذَبَهُ - ويُعَبَّر به عن المَيْل ، ومنه : نزعت نفسه إلى كذا كأن جاذباً جذبها ، ويعبر به عن الإزالة ، يقال نزع الله عنك الشر - أي : أزاله - ومنه قوله تعالى : { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } [ الأعراف : 27 ] ومثله هذه الآية ، فإن المعنى وتُزيل الملك .

فصل في بيان سبب النزول

في سبب النزول وجوه :

أحدها : قال ابن عباس وأنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة - وعد أمته ملك فارس والروم ، فقال المنافقون واليهود : هيهاتَ ، هيهاتَ ، من أين لمحمد ملك فارس والروم - وهم أعزُّ وأمْنَعُ من ذلك ! ألم يكفِ محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ؟ فأنزل الله - تعالى - هذه الآية . {[5310]}

وثانيها : روي أنه - عليه السلام - لما خَطَّ الخندق عام الأحزاب{[5311]} ، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً وأخذوا يحفرون ، خرج من وسط الخندق صخرة كالتل العظيم ، لم تعمل فيها المَعَاوِلُ . فوجهوا سَلْمَان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول من سلمان ، فلما ضربها صدعها وبرق منها بَرْقٌ أضاء ما بين لابتَيْها ، كأنه مصباح في جوف ليلٍ مظلمٍ ، فكبر ، وكبر المسلمون ، وقال عليه السلام : " أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلابِ ، ثم ضرب الثانية فقال : أضاءت لي منها قصور صنعاء ، ثم ضرب الثالثة فقال : أخبرني جبريل - عليه السلام - أن أمتي ظاهرة على كلها ، فأبشروا " ، فقال المنافقون : ألا تعجبوا من نبيكم ، يَعِدُكم الباطل ، يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم ، وأنتم تحفرون الخندق من الخوف لا تستطيعون أن تخرجوا ، فنزلت هذه الآية{[5312]} .

وثالثها : قال الحسنُ : إن الله - تعالى - أمر نبيه أن يَسأله أن يعطيه ملك فارس والروم ، ويردَّ ذل العرب عليهما ، وأمره بذلك دليل على أنه يستجيب له هذا الدعاءَ ، وهكذا منازل الأنبياء - إذا أمِرُوا بدعاء استُجِيب دعاؤهم{[5313]} .

وقيل : نزلت دامغةً لنصارى نجرانَ ، في قولهم : إن عيسى هو الله ، وذلك أن هذه الأوصافَ تبين - لكل صحيح الفطرة - أن عيسى ليس فيه شيءٌ منها .

قال ابن إسحاق : أعلم الله - تعالى - في هذه الآية - بعنادهم وكُفْرهم ، وأن عيسى - عليه السلام - وإن كان الله - تعالى - أعطاه آياتٍ تدل على نبوته ، من إحياءِ الموتى - وغير ذلك - فإن الله - عز وجل - هو المنفردُ بهذه الأشياءِ - من قوله : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } إلى قوله :

{ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } .

فصل

قوله : { مَالِكَ الْمُلْكِ } أي : مالك العباد وما ملكوا .

وقيل : مالك السماوات والأرض قال الله تعالى - في بعض كتبه - : " أنَا اللهُ ، مالك الملك وملك الملوك ، قُلُوبُ المُلُوكِ ونواصِيهم بِيَدِي ، فإِن العِبَادُ أطاعوني جَعَلْتُهُم عَلَيهم رحمةً ، وإن عصوني جعلتُهُم عليهم عقوبةً ، فلا تشغلوا أنفسَكم بسَبِّ الملوكِ ، ولكن توبوا إليَّ فأُعَطِّفَهُم عَلَيكُم " .

فصل

قال الزمخشريُّ : " مالك الملك ، أي : يملك جنس الملك ، فيتصرف فيه تصرُّفَ المُلاَّك فيما يملكون " .

قال مجاهدٌ وسعيدٌ بنُ جُبَيْر والسُّدِّي : " تُؤتِي الْمُلْكَ " يعني النبوَّة{[5314]} والرسالة ، كما قال تعالى : { فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } [ النساء : 54 ] ، فالنبوة أعظم مراتب الملك ؛ لأن العلماء لهم أمر عظيم على بواطن الخلقِ ، والجبابرة لهم أمر على ظواهر الخلق والأنبياء أمرهم نافذ ظاهراً وباطناً ، أما باطناً ؛ فلأنه يجب على كل أحد أن يقبل دينهم وشريعتَهم ، وأن يعتقدَ أنه هو الحقُّ ، وأما ظاهراً ؛ فلأنهم لو خالفوهم لاستوجبوا القتلَ .

فإن قيل : قوله : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } يدل على أنه قد يَعْزِل عن النبوة مَنْ جعله نَبِيًّا ، وذلك لا يجوزُ .

فالجوابُ من وجهين :

الأول : أن الله تعالى - إذا جعل النبوة في نسل رجلٍ ، فإذا أخرجها الله تعالى من نسله ، وشرَّف بها إنساناً آخرَ - من غير ذلك النسل - صح أن يقال : إنه - تعالى - نَزَعَهَا منهم{[5315]} ، واليهود كانوا معتقدين أن النبوةَ لا تكون إلا في بني إسرائيل ، فلما شرَّف الله بها محمَّداً صلى الله عليه وسلم صَحّ أن يُقَالَ : إنه نزع مُلْكَ النبوةِ من بني إسرائيلَ إلى العرب .

الثاني : أن يكون المراد من قوله : { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } ، أي : تحرمهم ، ولا تعطيهم هذا الملك ، لا على معنى أنه يسلب ذلك بعد إعطائه ، ونظيره قوله تعالى : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [ البقرة : 257 ] مع أن هذا الكلام يتناول مَن لم يكن في ظلمة الكفرِ قطّ .

وحكي عن الكفار قولهم - للأنبياء عليهم السلام- : { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا }[ الأعراف : 88 ] وقول الأنبياء : { وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّنَا } [ الأعراف : 89 ] مع أنهم لم يكونوا فيها - قط - .

وعلى هذا القول تكون الآية رَدًّا على أربع فِرَقٍ :

إحداها : الذين استبعدوا أن يجعل الله بَشَراً رسولاً .

الثانية : الذين جوَّزوا أن يكون الرسول من البشر ، إلا أنهم قالوا : إن محمداً فقير { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }

[ الزخرف : 31 ] .

الثالثة : اليهود الذين قالوا : إن النبوة في أسلافِنَا ، وإن قريشاً ليست أهلاً للكتاب والنبوة .

الرابعة : المنافقون ، فإنهم كانوا يحسدونه على النبوة - على ما حكى عنهم في قوله : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النساء : 54 ] .

وقيل : المراد ما يُسَمَّى مُلْكاً في العُرْف ، وهو عبارة عن أشياء :

أحدها : كثرة المال والجاه .

الثاني : أن يكون بحيث يجب على غيره طاعتُه ، ويكون تحت أمرِه ونهيِه .

الثالث : أن يكونَ بحيث لو نازعه في مُلْكه أحدٌ قَدَرَ على قهر ذلك المنازع .

أما كثرةُ المالِ فقد نرى الرجل اللبيب لا يحصل له - مع العناء العظيم ، والمعرفة الكثيرة - إلا قليل من المال ، ونرى الأبْلَهَ الغافلَ قد يحصل له من الأموال ما لا يعلم كميتها .

وأما الجاه ، فالأمر فيه أظهر ، أما القسم الثاني - وهو وجوب طاعة الغير له - فمعلوم أن ذلك لا يحصل إلا من الله .

وأما القسم الثالث - وهو حصول النصرة والظفر - فمعلوم أن ذلك لا يحصل إلا من الله تعالى ؛ فكم شاهدنا من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله تعالى .

فصل

قال الكعبيُّ : قوله : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } ، أي : بالاستحقاق ، فتؤتيه من يقوم به ، وتنزعه من الفاسقِ ؛ لقوله تعالى : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }

[ البقرة : 124 ] وقوله - في العبد الصالح- : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } [ البقرة : 247 ] فجعله سبباً للملك .

وقال الجبائيُّ : هذا الملك مختص بملوك العَدْل ، فأما ملوك الظلم ، فلا يجوز أن يكون ملكُهم بإيتاء الله - تعالى - وكيف يصح أن يكون بايتاء الله - تعالى - وقد ألزمهم أن لا يمتلكوه ، ومنعهم من ذلك ، فقد صح - بما ذكرناه - أن الملوك العادلين هم المخصوصون بأن الله - تعالى - آتاهم ذلك الملكَ : وأما الظالمون فلا ، قالوا : ونظيرُ هذا ما قلنا في الرزق أنه لا يكون من الحرام الذي زَجَرَ الله - تعالى - عنه ، وأمره بأن يرده على مالكه ، فكذا ههنا .

قالوا : وأما النزعُ ، فإنه بخلاف ذلك ؛ لأنه - كما ينزع الملكَ من الملوك العادلين ؛ لمصلحة تقتضي ذلك - قد ينزع الملكَ عن الملوك الظالمين ، ونزع الملك يكون بوجوه :

منها : بالموت ، وإزالة العقل ، وإزالة القوى ، والقدرة ، والحواسّ .

ومنها : بورود الهلاكِ ، والتلف على الأموال .

ومنها : أن يأمر الله - تعالى - المُحِقَّ بأن يسلبَ الملكَ الذي في يد المتغلب المُبْطِل ، ويؤتيه القُوة ، والنُّصرة عليه ، فيقهره ، ويسلب ملكه ، فيجوز أن يُضاف هذا السلب ، و النزع إلى الله - تعالى - لأنه واقع عن أمره ، كما نزع الله - تعالى - مُلْكَ فارسِ ، على يد الرسول - عليه السلام .

فالجوابُ : أن تقول : حصولُ المُلْكِ للظالِمِ إما أن يكون حصل لا عَنْ فاعل ، وذلك يقتضي نفي الصانع ، وإما أن يكون حصل بفعل المتغلِّب ، وذلك باطل ؛ لأن كل أحد يريد تحصيل الملك والدولة لنفسه ، ولا يتيسر له ألبتة ، فلم يبق إلا أن يقال : بأن ملك الظالمين إنما حصل بإيتاء الله تعالى - وهذا أمرٌ ظاهر ؛ فإن الرجلَ قد يكون مُهَاباً ، والقلوب تميل إليه ، والنصر قريب له ، والظفر جليس معه ، وأينما توجه حصل مقصوده ، وقد يكون على الضد من ذلك ، ومن تأمل في كيفية أحوالِ الملوكِ اضطر إلى العلم بأن ذلك ليس إلا بتقدير الله .

ولذلك قال بعض الشعراءِ : [ الكامل ]

لَوْ كَانَ بِالْحِيَلِ الْغِنَى لَوَجَدتنِي *** بِأجَلِّ أسْبَابِ السَّمَاءِ تَعَلُّقِي

لَكِنَّ مَنْ رُزِقَ الْحِجَا حُرِمَ الغِنَى *** ضِدَّانِ مُفْتَرقَانِ أيَّ تَفَرُّقِ

وَمِنَ الدَّلِيل عَلَى الْقَضَاءِ وَكَوْنِهِ *** بُؤسُ اللَّبِيبِ وَطِيبُ عَيْشِ الأحْمَقِ{[5316]}

وقيل : قوله تعالى : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } محمول على جميع أنواع الملكِ ، فيدخل فيه ملك النبوةِ ، وملكُ العلمِ ، وملكُ العقلِ والأخلاقِ الحسنةِ ، وملكُ البقاءِ والقدرةِ ، وملك محبة القلوبِ ، وملك الأموال ؛ لأن اللفظ عام ، فلا يجوز التخصيص من غير دليل .

وقال الكلبيُّ : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } محمَّداً وأصحابه ، { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } أبا جهل وصناديد قريش .

وقيل : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } العرب ، { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } فارس والروم .

وقال آخرون : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } آدم وولده ، { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } من إبليس وجنده .

قوله : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } .

قال عطاء : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } المهاجرين والأنصار ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } فارس والروم .

وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } محمداً وأصحابه ، حين دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } أبا جهل وأصحابه ، حين حُزَّت رؤوسُهم ، وألْقُوا في القليب .

وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالإيمان والهداية ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالكفر والضلالة .

وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالطاعة ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالمعصيةِ .

وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالنصر ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالقهرِ .

وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالغنى ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالفقرِ .

وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالقناعة والرِّضا ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالحرص والطمع .

قوله : { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } في الكلام حذف معطوف ، تقديرُهُ : والشَّرُّ ، كقَوْلِهِ تَعَالى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } [ النحل : 81 ] ، أي : وَالبَرْدَ .

وكَقَوْلِهِ : [ الطويل ]

كأنَّ الْحَصَى مِنْ خَلْفِهَا وَأمامِهَا *** إذَا أنْجَلَتْهُ رِجْلُهَا خَذْفُ أعْسَرَا{[5317]}

أي ويدها .

قال الزمَخْشَريُّ : " فَإن قُلْتَ : كَيْفَ قَالَ : " بِيَدِكَ الْخَيْرُ " دُونَ الشَّرِّ ؟

قلت : لأنَّ الكَلامَ إنَّما وَقَعَ في الْخَيْرِ الَّذِي يَسُوْقُهُ اللهُ إلى الْمُؤمِنين ، - وَهُوَ الَّذِي أنْكَرتهُ الْكَفَرةُ .

فقال : { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } تؤتِيْه أوْلِياءَكَ عَلى رَغْم مِنْ أعْدائِكَ " .

وقيل : خَصَّ الخيرَ ؛ لأنَّه فِي مَوْضِعِ دُعَاءٍ ، وَرَغْبَةٍ فِي فَضْلِهِ .

وقيل : هَذَا مِنْ آدابِ الْقُرآنِ ؛ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّح إلاَّ بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِخَلْقِه ، وَمِثْلُه : " والشر ليس إليك " ، وَقَوْلُهُ تَعَالى : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] .

فصل

الألف وَاللامُ فِي " الْخَيْرِ " يُوجِبَانِ العُمُوم ، وَالْمَعْنَى : [ أنَّ الْخَيْرَاتِ تَحْصُلُ ] {[5318]} بقدرتك ، فَقولُهُ : " بِيَدِكَ " لاَ بِيَدِ غَيْركَ ، كَقَوْلِهِ : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين } [ الكافرون : 6 ] ، أي : لَكُم دِيْنُكُمْ لا لغيركم ، وذَلِكَ الحَصْرُ منَافٍ لِحُصُولِ الْخَيْرِ بِيَدِ غَيْرِه فثبت دلالةُ الآيةِ عَلَى أنَّ الْجَمِيع مِنهُ بِخَلْقِه وتكوينه ، وَإيْجَادِهِ وَفَضْلِهِ ، وَأفضلُ الخيرات هو الإيمان بالله ، فوجب أن يكون الخير من تخليق الله لا مِنْ تَخْلِيق الْعَبْدِ ، وَهَذا استدلالٌ ظَاهرٌ .

وزاد بَعْضُهُم فَقَالَ : كُلُّ فَاعِلَيْنِ فِعْلُ أحدِهمَا أفْضَلُ مِنْ فِعْلِ الآخَرِ ، كَانَ ذَلِكَ الفَاعِلُ أشْرَفَ وَأكْملَ من الآخرِ ، وَلاَ شَكَّ أنَّ الإيمانَ أفْضَلُ مِنْ الْخَيْرِ ، ومِنْ كُلِّ مَا سِوى الإيْمانِ ، فَلَوْ كَانَ الإيمانُ بِخَلْقِ العبد - لا بِخَلْقِ اللهِ تعالى - لوجَبَ كَوْنُ العبْدِ زَائِداً في الخَيْرِية على اللهِ - تَعَالى - وَذَلِكَ كفر قبيح ، فدلت الآية - من هذين الوجهين - على أنَّ الإيْمَانَ بِخَلْقِ اللهِ تَعَالَى .

فإن قيل : هَذِه الآيةُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ مِنْ وَجهٍ آخر ؛ لأنه لما قال : { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } كان معناه : ليس بيدك إلا الخير ، وهذا يقتضي أن لا يكونَ الكفرُ والمعصيةُ بيده .

فالجوابُ : أن قوله : { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } يُفيد أن بيدك الخير - لا بيد غيرك - فهذا ينافي أن يكون الخير بيد غيره ، لكن لا ينافي أن يكون بيده الخير ، وبيده ما سوى الخيرِ ، إلا أنه خَصّ الخير بالذكر ؛ لأنه الأمر المنتفَع به ، فوقع التنصيص عليه لهذا المعنى .

قال القاضي : " كل خير حصل من جهة العباد فلولا أنه - تعالى - أقدرهم عليه ، وهداهم إليه ، لما تمكنوا منه ، فلهذا السبب كان مضافاً إلى الله تعالى " .

قال ابن الخطيبِ : " وهذا ضعيفٌ ؛ لأن بعضَ الخير يصير مضافاً إلى الله - تعالى - ويصير أشرف الخيرات مضافاً إلى العبد ، وهذا خلافُ النص .

وقوله : { إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } كالتأكيد لما تقدم من كونه مالكاً لإيتاء الملك ونَزْعه ، والإعزار ، و الإذلال .


[5299]:ينظر الهمع 2/157 واللسان (أله) والإنصاف 212 والدرر 2/2220 ورصف المباني (306) ومعاني القرآن للزجاج 1/396 وللفراء 1/203 وشرح الكافية 1/146 وضرائر الشعر ص 56 وشرح الكافية 1/146 والخزانة 2/296 والإيضاح في شرح المفصل 1/290 والدر المصون 2/53.
[5300]:البيت لأبي خراش الهذلي ينظر شرح ابن عقيل 140 والإنصاف 1/341 والدرر اللوامع 1/155 وشرح شواهد ابن عقيل ص 217 والهمع 1/178 وأوضح المسالك 4/31 وشرح أشعار الهذليين 3/1346 والبهجة الرضية 140، والخزانة 2/295.
[5301]:تقدم برقم 31.
[5302]:ينظر: الدر المصون 2/54.
[5303]:ينظر البيت في أساس البلاغة 1/271 ومشكل القرآن لابن قتيبة (142) والبحر المحيط 2/433 وغريب الحديث 2/54 والتاج 8/290، 9/91 واللسان (رسم) والدر المصون 2/54.
[5304]:البيت ذكره السمين في الدر المصون 2/54.
[5305]:صدر بيت لرؤبة وعجزه: أوديت إن لم تحب حبو المعتنك *** ... ينظر ديوانه 118 وأمالي الشجري 2/299 والخصائص 2/389 و3/330 ومغني اللبيب 1/18 والمقتضب 4/208 والإنصاف 2/628، 269 والدر المصون 2/55.
[5306]:البيت للحكم بن المنذر العبدي ونسب لرؤبة وهو في ملحقات ديوانه (172) ينظر ابن يعيش 2/5 والأشموني 1/142 واللسان (سردق) والعيني 4/210 والتصريح 2/169 والكتاب 2/103 وأوضح المسالك 4/22 وشرح أبيات سيبويه ص 242 والدر المصون 2/55.
[5307]:البيت لجرير ينظر: خزانة الأدب 4/442، وسرح شواهد المغني ص 56 وشرح التصريح 2/169، والمقاصد النحوية 4/254، واللمع ص 194، والمقتضب 4/208، وينظر أوضح المسالك 4/23، وشرح الأشموني 2/447، وشرح ابن عقيل ص 191، وشرح قطر الندى ص 210، ومغني اللبيب ص 19، وهمع الهوامع 1/176والدر المصون 2/55.
[5308]:ينظر: الدر المصون 2/55.
[5309]:ينظر ديوانه ص 14، والأغاني 11/27، والدرر 1/274، 6/326، وشرح أبيات سيبويه 2/54 والصحابي في الفقه ص 215، والكتاب 2/321، والمحتسب 1/251، والمقاصد النحوية 4/351 وينظر أوضح المسالك 4/92، ورصف المباني ص 452، وشرح الأشموني 2/493، وشرح التصريح 1/140 ولسان العرب (سند) (قصد) (جرا) (يا) والدر المصون 2/56.
[5310]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/300) عن قتادة وانظر تفسير الفخر الرازي (8/4).
[5311]:غزوة الخندق: في شوال سنة خمس من الهجرة خرجت قريش وغطفان في عشرة آلاف مقاتل، بعد أن دفعهم نفر من اليهود إلى ذلك، وما أن علم الرسول بخروجهم، حتى ضرب الخندق على المدينة بمشورة سلمان الفارسي، وأقبلت قريش، ومن تبعها "من كنانة" وأهل "تهامة" حتى نزلت بمجتمع الأسيال، ونزلت غطفان، ومن تبعهم بجانب أحد، وخرج الرسول عليه السلام في ثلاثة آلاف من المسلمين، فجعل ظهره إلى سهل "سلع" وضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وانضم بنو قريظة إلى جيش الأحلاف، فعظم بذلك البلاء على المسلمين، وبينما المسلمون على ذلك؛ إذا بالخلاف يدب بين جيش الكفار بوساطة "نعيم بن مسعود الغطفاني"، وتهب عاصفة شديدة فتقتلع الخيام، وتقلب قدور الطعام، وتهدم المعسكر، فيرتحلون جميعا بغيظهم لم ينالوا خيرا، ويكفي الله المؤمنين شر القتال.
[5312]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (5/186) وعزاه لابن سعد وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي في "الدلائل" من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده.
[5313]:ذكره الفخر الرازي في "التفسير الكبير" (8/4-5) عن الحسن.
[5314]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/300) عن مجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/26) عن ابن عباس وعزاه لابن أبي حاتم.
[5315]:في أ: عنهم.
[5316]:الأبيات للإمام الشافعي وهي في ديوانه 58 وغرائب القرآن 3/163 وما بعدها ومفاتيح الغيب 8/7 وشذرات الذهب 2/11.
[5317]:البيت لامرئ القيس ينظر في ديوانه ص 64، وشرح عمدة الحافظ ص 647، ولسان العرب (حذف)، (نجل)، والمقاصد النحوية 4/169، والدر المصون 2/56.
[5318]:في أ: بقدرتك كل الخيرات.