ثم بين ما بعد الصيحة الأولى فقال : { وَنُفِخَ فِي الصور } أي نفخ فيه أخرى كقوله تعالى : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [ الزمر : 68 ] وقرأ الأعرج ونفخ في الصور بفتح الواو{[46355]} . وهي القبور واحدها جَدَث ، وقرئ من الأجدافِ{[46356]} بالفاء ، وهو لغة في الأجداث يقال : جَدَث ، وجَدَف كثمَّ وفُمَّ ، وثُوم ، وفُوم{[46357]} .
فإن قيل : أين{[46358]} يكون ذلك الوقت أجداث وقد زلزت الصيحة الجبال ؟ .
فالجواب : أن الله يجمع أجزاء كل ميت في الموضع الذي أقْبِرَ فيه من ذلك الموضع وهو جدثه .
قوله : { إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } أي يخرجون من القبور أحياء . وقرأ ابنُ أبي إسحاق وأبو عمرو في رواية : يَنْسُلُونَ{[46359]} بضم السين ، يقال : نَسَلَ الثعلبُ يَنْسِلُ وَينْسُلُ إذا أسرع في عَدْوِهِ ، ومنه قيل للولد : نَسَل لخروجه من ظهر أبيه وبطن أمه{[46360]} .
فإن قيل : المسيء{[46361]} إذا توجه إلى من أحسن إليه يقدم رِجْلاً ويؤخر أخرى والنَّسلاَن سرعة الشيء فكيف يوجد بينهم ذلك ؟
فالجواب : ينسلون من غير اختيارهم والمعنى أنه أراد أن يبين كمال قدرته ونفوذ إرادته حيث ينفخ في الصور فيكون في وقته جمع وإحياء وقيام وعدو في زمان واحد ، فقوله : «إذَا هُمْ يَنْسِلُونَ » أي في زمان واحد ينتهون إلى هذه الدرجة وهي النسلان الذي لا يكون إلا بعد مراتب .
فإن قيل : قال في آية { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [ الزمر : 68 ] وقال ههنا : { فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } والقيام غير النسلان فقوله في الموضعين : «إذا هم » يقتضي أن يكونا معاً .
الأول : أن القيام لا ينافي المشي السريع لأن الماشي قائم ولا ينافي النظر .
الثاني : أن لسرعة{[46362]} الأمور كأن الكل في زمان واحد كقول القائل :
4183- مِكَرِّ مِفَرِّ مُقْبِل مُدْبِرٍ مَعاً . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[46363]}
واعلم أن النفختين تورثان تزلزلاً وانقلاباً للأجرام فعند اجتماع{[46364]} الأجرامِ يُفَرِّقها . وهو المراد بالنفخة الأولى وعند تفرق الأجرام يجمعها وهو النفخة الثانية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.