اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱلۡتَقَمَهُ ٱلۡحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٞ} (142)

قوله : { فالتقمه الحوت وَهُوَ مُلِيمٌ } المليم الذي أتى بما يلام عليه{[47397]} . قال :

4224- وَكَمْ مِنْ مُليمٍ لَمْ يُصَبْ بمَلاَمَةٍ . . . ومُشْبَعٍ بالذَّنْبِ لَيْسَ لَهُ ذنْبُ{[47398]}

يقال : ألاَمَ فلانٌ أي فعل ما يلام عليه ، وقوله { وَهُو مُلِيمٌ } حال . وقرئ «مَلِيمٌ » بفتح الميم من لاَمَ يَلُومُ وهي شاذة جداً ، إذا كان قياسها «مَلُومٌ » ؛ لأنها من ذوات الواو كَمقُولٍ ومَصُوبٍ{[47399]} . قيل : ولكن أخذت من ليم على كذا مبنياً للمفعول ومثله في ذلك : شِيب الشيءُ فهو مَشيبٌ ودُعِيَ فهو مُدْعِيٌّ{[47400]} . والقياس مَشُوبٌ وَمدعوٌّ لأنهما من يَشوب ويَدْعُو .

فصل

روى{[47401]} ابن عباس أن يونس - عليه ( الصلاة و ) السلام - كان يسكن مع قومه فِلَسْطِينَ فَغَزَاهُمْ ملكٌ وسَبَى منهم تسعة أسباط ونصف وبقي سبطان ونصف وكان قد أوحي إلى بني إسرائيل إذا أسركم عدوّكم ( أ ){[47402]} وأصابتكم مصيبة فادعوني أستجب لكم فلما نسوا ذلك وأسروا أوحى الله تعالى بعد حين إلى نبيٍّ من أنبيائهم أنْ اذْهَبْ إلى ملك هؤلاء الأقوام وقل لهم{[47403]} يبعث إلى بني إسرائيل نبياً فاختار يُونُسَ - عليه ( الصلاة و ) السلام - لقوته وأمانته ، قال يونس : الله أمرك بهذا ؟ قال : لا ولكن أمرت أن أبْعَثُ قوياً أميناً وأنت كذلك فقال يونس : وفي بني إسرائيل من هو أقوى مني فلم لا تبعثه ؟ فألح الملك عليه فغضب يونُس منه وخرج حتى أتى بَحْر الروم فوجد سفينةً مشحونةً فحملوه فيها ، فلما أشرف{[47404]} على لُجَّّة البحر أشرفوا على الغرق . فقال الملاحون إن فيكم عاصياً وإلاّ لم يحصل في السفينة ما نراه{[47405]} . وقال التجار قد جربنا مثل هذا فإذا رأيناه نقترع فمن خرج عليه{[47406]} نغرقه فلأن يغرق واحد خيرٌ من غَرَقِ الكل فخرج من بينهم{[47407]} يونس فقال يا هؤلاء : أنا العاصي وتلفّف في كساء ورمى بنفسه فالتقمه الحُوتُ{[47408]} وأوحى الله إلى الحوت : لا تكسر منه عظماً ولا تقطَعْ له وصلاً ثم إن السمكة خرجت من نيل{[47409]} مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى ( بَحْرٍ ){[47410]} البطائح ، ثم دجلة فصعدت به ورمته في أرض نَصِيبِينَ بالعَرَاء ، وهو كالفَرْخ المَنتُوفِ لا شَعْرٌ ولا لَحْمٌ فأنبت الله عليه شجرةً من يَقْطين فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد . ثم إنَّ الأَرَضَ ( ةَ ){[47411]} أكلتها فحَزِنَ يونُس لِذَلِكَ حُزْناً فقال يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والرِّيح وأَمُصُّ من ثمرها وقد سقطت فقيل ( له ){[47412]} : يا يونس تحزن ( على شجرة ){[47413]} أَنْبَتَت في ساعة واقْتُلِعَتْ في ساعة ولا تحزن على مائة ألفٍ أو يزيدون تركتهم فانطلقُ إليهم .


[47397]:قاله الزجاج في معاني القرآن 4/313 وأبو عبيدة في المجاز 2/174 وقال عنه الفراء في المعاني 2/393 "وهو الذي اكتسب اللوم وإن لم يلم، والملوم الذي قد ليم باللسان، وهو مثل قول العرب: أصبحت محمقا معطشا أي عندك المحمق والعطش. وهو كثير في الكلام".
[47398]:أنشد على أن المليم الذي يأتي بما يلومه عليه الناس. والبيت أحد بيتين ذكرهما القالي في أماليه انظر أمالي القالي 1/16 والدر المصون 4/570.
[47399]:حكم بشذوذ هذه القراءة مع أنها جائزة لغة وهناك ما هو أشد شذوذا منها السمين في الدر 4/570 وذكرها الزمخشري في الكشاف 3/353 وأبو حيان في البحر 7/375.
[47400]:الكشاف 3/353.
[47401]:انظر هذا في الرازي 26/164.
[47402]:زيادة من الرازي.
[47403]:في الرازي: وقل له حتى يبعث إلى.
[47404]:وفيه: فلما دخلت لجة البحر أشرفت على الغرق.
[47405]:وفيه: ما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر.
[47406]:وفيه: خرج سهمه.
[47407]:في "ب" سهم.
[47408]:في "ب" : فابتلعته السمكة.
[47409]:وفيه: أخرجته إلى نيل.
[47410]:سقط من "ب".
[47411]:زيادة من الرازي.
[47412]:سقط من "ب".
[47413]:سقط من "ب" وانظر: الرازي 26/164.