اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ ظُلَلٞ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحۡتِهِمۡ ظُلَلٞۚ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِۦ عِبَادَهُۥۚ يَٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ} (16)

قوله : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ } يجوز أن يكون الخبر أحد الجَارين المتقدمين وإنْ كان الظاهر جَعْلَ الأول هو الخبر ، ويكون «مِنْ فَوْقِهِمْ » إما حالاً من «ظُلَلٍ » فيتعلق بمحذوف ، وإما متعلقاً بما تعلق به الخبر و «مِنَ النَّار » صفة لظُلَلٍ ، وقوله : { وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } كما تقدم

وسماها ظللاً بالنسبة لمن تحتهم ، ونظيره قوله : { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [ الأعراف : 41 ] . وقوله : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [ العنكبوت : 55 ] والمعنى أن النارَ محيطة بهم من جميع الجوانِبِ .

فإن قيل : الظلة ما علا الإنسان فكيف سمى ما تحته بالظلة ؟

فالجواب من وجوه :

الأول : أنه من باب إطلاق اسم أحد الضِّدِّيْن على الآخر ، كقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] .

الثاني : أن الذي تحته يكون ظلة لغيره لأن النار درجات كما أن الجنة دَرَجَاتٌ .

الثالث : أن الظلة التحتانية إذا كانت مشابهة للظلة الفوْقَانيّة في الحرارة والإحراق والإيذاء أطلق اسم أحدهما على الآخر لأجل المماثلة والمشابهة .

قوله : { ذَلِكَ } مبتدأ . وقوله : «الَّذِي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ » خبر ، والتقدير ذلك العذاب المعدّ للكفار هو الذي يخوف الله به عباده أي المؤمنين ، لأن لفظ العباد في القرآن يختص بأهل الإيمان ، وقيل : تخويف للكفار والضلال والأول أقرب لقوله بعده : { ياعباد فاتقون } . والظاهر أن المراد منه المؤمنون .