قوله : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } الصَّرصرُ : الريح الشديدة ، فقيل : هي الباردة من الصَّرِّ وهو البرد{[48665]} ، وقيل : هي الشديدة السُّمُوم{[48666]} ، وقيل : هي المُصوِّتةُ{[48667]} من صرَّ البابُ أي سُمِعَ صريرُهُ . والصَّرَّةٌ : الصَّيحة ومنه : { فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ } [ الذاريات : 29 ] قال ابن قتيبة «صَرْصَرٌ » يجوز أن يكون الصَّرِّ وهو البرد ، وأن يكون من صرَّ البابُ ، وأن يكون من الصََّرَّة ومنه : { فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ }{[48668]} [ الذاريات : 29 ] .
قوال الراغب : صَرْصرٌ لفظه من الصّر وذلك يرجع إلى الشد لما في البرودة من التعقيد{[48669]} .
قوله : { في أيَّام نحساتٍ } قرأ الكوفيون وابنُ عامر بكسر الحاء والباقون بسكونها{[48670]} .
فأما الكسر فهو صفة على «فَعِلٍ » وفعلُهُ : «فَعِلَ » بكسر العين أيضاً كفِعْلِهِ{[48671]} ؛ يقال : نَحِسَ فهو نَحِسٌ ، كَفَرِحَ ، فهُو فَرِحٌ ، وأَشِرَ فهو أَشِرٌ ، ومعناه نكدات مَشْئُوماتٌ ذاتُ نُحُوسٍ{[48672]} .
وأمال اللَّيثُ{[48673]} من الكسائيِّ ألفه لأجل الكسرة{[48674]} ، ولكنه غير مشهور عنه حتى نسبه الدَّانيُّ للوهم وأما قراءة الإسكان فتحتمل ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أن يكون مخفف من «فَعِل » في القراءة المتقدمة وفيه توافق القراءتين .
الثاني : أنه مصدر وصف به كرجُلٍ عَدْلٍ{[48675]} ، إلا أنَّ هذا يضعفه الجمعُ ، فإن الفصيحَ في المصدر الموصوف ( به ){[48676]} أن يوحَّد وكأنَّ المُسوِّغَ للجمع اختلافُ أنواعه في الأصل .
الثالث : أنه صفة مستقلة على «فَعْل » بسكون العين ولكن أهل التصريف لم يذكروا في الصفة الجائية من «فَعِل » بكسر العين إلا أوزاناً محصورة ليس فيه «فَعْل » بالسكون فذكروا : فَرِحَ فهو فَرِحٌ وحور فهو أحْوَرُ ، وشَبع فهو شَبْعَانُ ، وسَلِمَ فهو سَالِمٌ ، وبلي فَهُو بالٍ{[48677]} . وفي معنى «نحسات » قولان :
أحدهما : أنها من الشّؤم ، قال السدي أي مشائيم من النحس المعروف .
والثاني : أنها من شدة البرد{[48678]} وأنشدوا على الأول قولَ الشاعر :
4360 يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْماً نَحْسَا{[48679]} *** نَجْمَيْنِ سَعْدَيْنِ وَنَجْماً نَحْسَا{[48680]}
4361 كَأَنَّ سُلاَفَةً عُرِضَتْ لِنَحْسٍ *** يُحِيلُ شَفِيفُهَا المَاءَ الزًُّلاَلاَ{[48681]}
4362 قَدْ أَغْتَدِي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ *** للصَّيْدِ فِي يَوْمِ قَلِيلِ النَّحْسِ{[48682]}
وقيل : يريدُ به في هذا البيت الغبار ، أي قليل الغبار . وقد قيل بذلك في الآية إنها ذات غبار . و«نَحِسَات » نعت لأيَّام ، والجمع بالألف والتاء مُطَّرِدٌ في صفة ما لا يعقل كأيَّام معدوداتٍ{[48683]} كما تقدم تحقيقه في البقرة ( اللَّهُمَّ يَسِّرْ ){[48684]} .
الصَّرْصَر : العاصفة التي تُصَرْصِرُ في هُبُوبِهَا . روي عن عبد الله بن عَبَّاسٍ{[48685]} رضي الله عنهما أنه قال : الرِّياح ثمانٍ ، أربعٌ منها عذاب وهي العاصف ، والصرصر ، والعقيم ، والعاصفة ، وأربع منها رحمة ، وهي : الناشرات ، والمُبَشِّرات ، والمُرْسَلاَت ، والذَّاريات . وعن ابن عباس{[48686]} رضي الله عنهما : أن الله تعالى ما أرسل على عباده من الريح إلا قدر خَاتَمِي . وقال الضحاك : أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ، وتوالت الرياح عليهم من غير مَطَرٍ{[48687]} .
استدلَّ الأَحكَامِيُّون من المُنَجِّمِينَ بهذه الآية على أن بعض الأيام يكون نحساً وبعضها سعداً وأجاب المتكلمون بأن المراد بهذه النحسات أي ذات غبار وتراب ثائر ، لا يكاد يُبْصَرُ فيه ولا يُتَصَرَّف فيه ، وقالوا أيضاً : معنى كون هذه الأيام نَحِسَاتٍ أن الله أهلكهم فيها . وأجاب الأحكاميون بأن الأحكام{[48688]} في وضع اللغة هي المشئومات لأن النحس مقابلة السعد ، والهواء الكدر يقابله{[48689]} الصافي . وأيضاً فإنه تعالى أخبر عن إيقاع ذلك العذاب في تلك الأيام النحسات ، فوجب أن{[48690]} كون تلك الأيام نَحِسَةً مغايراً لذلك العذاب الذي وقع فيها .
قوله : { لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا } أي عذاب الهوان والذل مقابل لذلك الاستكبار { وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى } أسد إهانة { وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } أي لا يكون لهم ناصر يدفع عنهم ذلك الخزي{[48691]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.