السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡفُلۡكِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مَا تَرۡكَبُونَ} (12)

ثم شرع تعالى في إكمال ما تقتضيه الحال من الأوصاف فقال عز من قائل : { والذي خلق الأزواج } أي : الأصناف المتشاكلة التي لا يكمل شيء منها غاية الكمال إلا بالآخر على ما دبره سبحانه في نظم هذا الوجود { كلها } من النبات والحيوان وغير ذلك من سائر الأكوان لم يشاركه في شيء منها أحد وقال ابن عباس رضي الله عنه : الأزواج الضروب والأنواع كالحلو والحامض والأبيض والأسود والذكر والأنثى ، وقال بعض المحققين : كل ما سوى الله تعالى فهو زوج كالفوق والتحت واليمين واليسار والقدام والخلف والماضي والمستقبل والذوات والصفات والصيف والشتاء والربيع والخريف ، وكونها أزواجاً يدل على أنها ممكنة الوجود في ذواتها محدثة مسبوقة بالعدم ، فأما الحق تعالى : فهو الفرد المنزه عن الضد والند والمقابل والمعاضد ، فلهذا قال تعالى : { والذي خلق الأزواج كلها } فهو مخلوق فدل هذا على أن خالقها فرد مطلق منزه عن الزوجية ، قال الرازي : وأيضاً علماء الحساب يثبتون أن الفرد أفضل من الزوج من وجود الأول : أن الاثنين لا توجد إلا عند حصول وحدتين ، فالزوج محتاج إلى الفرد والفرد هو الوحدة وهي غنية عن الزوج والغني أفضل من المحتاج ، الثاني : أن الزوج يقبل القسمة بقسمين متساويين والفرد لا يقبل القسمة وقبول القسمة انفعال وتأثر وعدم قبولها قوة وشدة فكان الفرد أفضل من الزوج ، ثم ذكر وجوهاً أخر تدل على أن الفرد أفضل من الزوج وإذا كان كذلك ثبت أن الأزواج ممكنات ومخلوقات وأن الفرد هو القائم بذاته المستقل بنفسه الغني عما سواه { وجعل لكم من الفلك } أي : السفن العظام في البحر { والأنعام } كالإبل في البر { ما تركبون } وحذف العائد لفهم المعنى تغليباً للمتعدي بنفسه في الأنعام على المتعدي بواسطة في الفلك ، والعائد مجرور في الأول أي : فيه منصوب في الثاني .