اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

ولما حكى الله تعالى عنهم ذلك قال : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والذين مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } وهذا استفهام على سبيل الإنكار{[50378]} قال أبو عبيدة : ( ملوك{[50379]} اليمن ) كل واحد منهم يسمى تُبَّعاً ؛ لأن أهل المدينة كانوا يتعبونه ، وموضع ( «تبع »{[50380]} ) في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظِمُ من ملوك العرب{[50381]} قالت عائشة رضي الله عنها كان تُبَّعٌ رَجُلاً صالحاً{[50382]} . وقال{[50383]} كَعْبٌ : ذَمَّ الله ولَمْ يَذُمَّه وقال الكلبي : هو أو كرب ( أبو ){[50384]} أسعد{[50385]} . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَسُبُّوا تبَّعاً فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ »{[50386]} وعنه صلى الله عليه وسلم : «مَا أَدْرِي أَكَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا أَمْ غَيْرَ نَبِيٍّ »

واقل قتادة : هو تبَّعٌ الْحِمْيَريّ ، وكان سار بالجيوش حتى حير{[50387]} الحيرة وبنى سمرقند ، وكان من ملوك اليمن يسمى تُبَّعاً لكثرة أتباعه ، كل واحد منهم يسمى تبعاً ، لأنه يتبع صاحبه ، وكان هذا يعبد النار ، فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام ، وهم حِمْيَر . فكذبوه{[50388]} . ( قال ابن{[50389]} إسحاق : وكان اسمه بيان أسعد أبو كرب وقصَّتُهُ مسرودة ؛ لأنه كان يعبد الأوثان ، وأنه أسلم على يد حَبْرَيْنِ عالميْن ، وأنه أتى البيت الحرام فطاف به ، ونحر عنده ، وحلق رأسه ، وأقام بمكة ستة أيا ينحر بها للناس ويُطْعِمُ أهلها ويسقيهم العسل ، وأُري في المنام أن يكْسُوَ البيت ، فكساه الخَصَفَ{[50390]} ، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافري ، ثم أري يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملا والوصائل . وكان تبع أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من خزاعة فأمرهم بتطهيره ، وأن يقربوه دَماً ولا مِيتةَ ، و لامِيلاَثاً ، وهي المحايِضُ وجعل له باباً ومفتاحاً ، وقصته مع الحَبْرَينِ مشْهُورة وأيضاً وأنه رَجَعَ إلى اليمن وتبع الحبرين على دينهما ولذلك كان أصل دين اليهودية باليَمَنِ ) .

فإن قيل : ما معنى قوله : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } مع أنه لا خير في الفريقين ؟

فالجواب : أن معناه أهم خير في القوة والشوكة كقوله تعالى : { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } [ القمر : 43 ] بعد ذكر آلِ فِرْعَوْنَ{[50391]} .

قوله : { والذين مِن قَبْلِهِمْ } يجوز فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون معطوفاً على قوم «تُبَّع » .

الثاني : أن يكون مبتدأ ، وخبره ما بعده من : «أَهْلَكْنَاهُمْ » وأما على الأول : «فأَهْلَكْنَاهُمْ » إما مستأنفٌ وإما حال من الضمير المستكنِّ في الصلة .

الثالث : أن يكون منصوباً بفعل مقدر يفسره «أَهْلَكْنَاهُمْ » ولا محلّ ل «أهلكناهم » حينئذ{[50392]} .


[50378]:انظر الرازي المرجع السابق.
[50379]:سقط من ب ما بين القوسين.
[50380]:سقط كذلك من ب.
[50381]:انظر المجاز لأبي عبيدة 2/209.
[50382]:في عامة التفسير: أنه مؤمن وصالح لا صابئ كما في النسختين فهذا تحريف.
[50383]:في النسختين: وقالت الأصح: وقال كعب كما أثبت أعلى وكما نقلته التفاسير.
[50384]:أبو زيادة من النسختين وانظر فيما سبق الرازي السابق والقرطبي 16/144، 146 والكشاف 3/505.
[50385]:مسند الإمام أحمد 5/340.
[50386]:مسند الإمام أحمد 5/340.
[50387]:كذا في الكشاف وغيره وفي القرطبي عبر.
[50388]:وانظر الرازي والكشاف والقرطبي المراجع السابقة.
[50389]:ما بين القوسين كله سقط من ب.
[50390]:الخصف بمحركات علوية ثياب غليظة جدا انظر اللسان في تلك القصة خصف 1174، 1175 والبغوي.
[50391]:الرازي 27/249.
[50392]:التبيان 1146 والدر المصون 4/817.