ولما حكى الله تعالى عنهم ذلك قال : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والذين مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } وهذا استفهام على سبيل الإنكار{[50378]} قال أبو عبيدة : ( ملوك{[50379]} اليمن ) كل واحد منهم يسمى تُبَّعاً ؛ لأن أهل المدينة كانوا يتعبونه ، وموضع ( «تبع »{[50380]} ) في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظِمُ من ملوك العرب{[50381]} قالت عائشة رضي الله عنها كان تُبَّعٌ رَجُلاً صالحاً{[50382]} . وقال{[50383]} كَعْبٌ : ذَمَّ الله ولَمْ يَذُمَّه وقال الكلبي : هو أو كرب ( أبو ){[50384]} أسعد{[50385]} . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَسُبُّوا تبَّعاً فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ »{[50386]} وعنه صلى الله عليه وسلم : «مَا أَدْرِي أَكَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا أَمْ غَيْرَ نَبِيٍّ »
واقل قتادة : هو تبَّعٌ الْحِمْيَريّ ، وكان سار بالجيوش حتى حير{[50387]} الحيرة وبنى سمرقند ، وكان من ملوك اليمن يسمى تُبَّعاً لكثرة أتباعه ، كل واحد منهم يسمى تبعاً ، لأنه يتبع صاحبه ، وكان هذا يعبد النار ، فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام ، وهم حِمْيَر . فكذبوه{[50388]} . ( قال ابن{[50389]} إسحاق : وكان اسمه بيان أسعد أبو كرب وقصَّتُهُ مسرودة ؛ لأنه كان يعبد الأوثان ، وأنه أسلم على يد حَبْرَيْنِ عالميْن ، وأنه أتى البيت الحرام فطاف به ، ونحر عنده ، وحلق رأسه ، وأقام بمكة ستة أيا ينحر بها للناس ويُطْعِمُ أهلها ويسقيهم العسل ، وأُري في المنام أن يكْسُوَ البيت ، فكساه الخَصَفَ{[50390]} ، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافري ، ثم أري يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملا والوصائل . وكان تبع أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من خزاعة فأمرهم بتطهيره ، وأن يقربوه دَماً ولا مِيتةَ ، و لامِيلاَثاً ، وهي المحايِضُ وجعل له باباً ومفتاحاً ، وقصته مع الحَبْرَينِ مشْهُورة وأيضاً وأنه رَجَعَ إلى اليمن وتبع الحبرين على دينهما ولذلك كان أصل دين اليهودية باليَمَنِ ) .
فإن قيل : ما معنى قوله : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } مع أنه لا خير في الفريقين ؟
فالجواب : أن معناه أهم خير في القوة والشوكة كقوله تعالى : { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } [ القمر : 43 ] بعد ذكر آلِ فِرْعَوْنَ{[50391]} .
قوله : { والذين مِن قَبْلِهِمْ } يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون معطوفاً على قوم «تُبَّع » .
الثاني : أن يكون مبتدأ ، وخبره ما بعده من : «أَهْلَكْنَاهُمْ » وأما على الأول : «فأَهْلَكْنَاهُمْ » إما مستأنفٌ وإما حال من الضمير المستكنِّ في الصلة .
الثالث : أن يكون منصوباً بفعل مقدر يفسره «أَهْلَكْنَاهُمْ » ولا محلّ ل «أهلكناهم » حينئذ{[50392]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.