قوله ( تعالى ){[51824]} : { إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ } العامل في » إذْ «إِما » لَعَذَّبْنَا «أو » صَدُّوكُمْ «أو » اذْكُر «فيكون مفعولاً به{[51825]} .
قال ابن الخطيب في إذ : يحتمل أن يكون ظرفاً ، فلا بد من فعل يقع فيه ويكون عاملاً له ، ويحتمل أن يكون مفعولاً به ، فإن قلنا : إنه ظرف فالفعل الواقع فيه يحتمل أن يكون مذكوراً ويحتمل أن يكون غير مذكور ، فإن كان مذكوراً ففيه وجهان :
أحدهما : هو قوله تعالى : { وَصَدُّوكُمْ } أي وصدوكم حِينَ جَعَلُوا في قلوبهم{[51826]} الحَمِيَّة فلا يرجعون إلى الإسلام .
وثانيهما : المؤمنون لما أنزل الله عليهم سكينته لا يتركون الاجتهاد في الجهاد والله مع المُؤمنين{[51827]} .
فإن قلنا : إنه غير مذكور ففيه وجهان :
أحدهما : حفظ الله المؤمنين عن أن يَطَئُوهم إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية .
وثانيهما : أحسن الله إليكم إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية . وعلى هذا فقوله : «فَأَنْزَلَ السَّكيِنَةَ » تفسير لذلك الإحسان . وإن قلنا : إنه مفعول به فتقديره اذكر ذلك الوقت كقولك : اذْكُر إِذْْ قَامَ زَيْدٌ أي اذكر وَقْتَ قيامه . وعلى هذا يكون «إذْ » ظرفاً للفعل المضاف إليه{[51828]} .
قوله : «فِي قُلُوبِهِمْ » يجوز أن يتعلق ب «جَعَلَ » على أنها بمعنى «أَلْقَى » ، فتتعدى لواحد ؛ أي إِذْ أَلْقَى الكافرون في قلوبهم الحمية ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه مفعول ثانٍ قدم على أنها بمعنى صيّر .
قوله : «حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ » بدل من «الحمية » قبلها ، والحمية الأنَفَةُ من الشيء ، وأنشدوا للمتلمس :
4496 أَلاَ إِنَّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِي عِرْضُهُمْ *** كَذَا الرَّأْسِ يَحْمِي أَنْفَهُ أَنْ يُهَشَّمَا{[51829]}
وهي المنع ، ووزنها فَعِيلَةٌ ، وهي مصدر ، يقال : حَمَيْتُ عن كذا أَحْمِيه ( حَمِيَّةً ){[51830]} .
( فصل{[51831]}
المعنى : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت ، وأنكروا أَنَّ محمداً رسول الله . قال مقاتل : قال أهل مكة قد قتلوا أبناءنا وإخوانَنَا ثم يدخلون علينا فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا ، واللاتِ والعُزَّى لا يدخلونها علينا . فهذه حَمِيَّة الجاهلية التي دخلت قلوبهم ) .
قله : { فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين } حين لم يدخلهم ما دخلهم من الحمية فعصوا الله في قتالهم . قال ابن الخطيب : دخول الفاء في قوله : { فَأَنزَلَ الله } يدل على تعلق الإنزال أو ترتيبه على ما ذكرنا من أن «إِذْ » ظرف لفعل مقدر كأنه قال : أحْسَنَ اللهُ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا . «فأنزل » تفسير لذلك الإحسان ، كما يقال{[51832]} : «أَكْرَمَنِي فَأَعْطَانِي لتفسير الإكرام . ويحتمل أن تكون الفاء للدلالة على تعلق إنزال السكينة بجعلهم الحمية في قلوبهم على معنى المقابلة تقول : أَكْرَمِنِي فَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ{[51833]} .
( قوله{[51834]} : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدي وابن زيد وأكثر المفسرين : كلمة التقوى لا إله إلا الله .
وروي عن أبي بن كعب مرفوعاً . وقال عليٌّ وابنُ عمر : كلمة التقوى لا إله إلا الله والله أكبر . وقال عطاء بن أبي رباح : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . وقال عطاء الخراساني : هي لا إله إلا الله محمد رسول الله وقال الزهري : هي بسم الله الرحمن الرحيم . وقيل : هي الوفاء بالعَهْد{[51835]} ) .
قوله : { وكانوا أَحَقَّ بِهَا } الضمير في «كانوا » يجوز أن يعود إلى المؤمنين وهو الظاهر ، أي أحق بكلمة التقوى من الكفار ، وقيل : يعود على الكفار أي كانت قريشٌ أحقَّ بها لولا حرمانُهُمْ{[51836]} .
( فصل{[51837]}
قال البغوي : وكان المؤمنونَ أحقّ بها من كفار مكة وأهلها أي وكانوا المؤمنون أحقّ بها من كفار مكة وأهلها أي وكانوا أهلها في علم الله تعالى ، لأن الله تعالى اختبار لدينه وصحبةَ نبيه أهل الخير{[51838]} ، قال ابن الخطيب : قوله : «أحق بها » يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه يفهم من معنى الأحقِّ أنه يثبت رجحاناً ( ما{[51839]} ) على الكافرين وإن لم يثبت الأهلية كما لو اختار الملك اثنين لشغل ، وكل واحد منهما غير صالح له ولكن أحدهما أبعد عن الاستحقاق يقال للأقرب إلى الاستحقاق إن كان ولا بد فهذا أحق كما يقال : الحبس أهون من القتل ، مع أنه لا هيِّن هناك فقال وأهلها دفعاً لذلك .
الثاني : أن يكون لا للتفضيل كما في قوله { خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } [ الفرقان : 24 ] ، { وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } [ مريم : 73 ] ؛ إذ لا خير في غيره { وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }{[51840]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.