تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِٱلشَّهَٰدَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَآ أَوۡ يَخَافُوٓاْ أَن تُرَدَّ أَيۡمَٰنُۢ بَعۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡمَعُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (108)

فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا ) ؟

قيل : في ذلك بيان أن المؤمن إذا ادعيت عليه الخيانة ، وقال هو : ما رددت ما كان في يدي فإنه لا يصدق إلا بعد أن يحلف . فإذا علم أنه لا يقبل قوله إلا بيمين كان أحرى أن يقول حذرا من أن يحلف على كذب ، أو يقر خوفا من الإثم في اليمين ، فتتبين خيانته .

فإن قيل : ما معنى قوله : ( تحبسونهما من بعد صلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم ) ؟ قيل : يحتمل أن يكون على زيادة التغليظ في اليمين . وللحاكم أن يغلظ في اليمين على الخصم إذا اتهمه بأكثر من هذا ، وهو أن يحضر يمينه جماعة ، إذا سأل الخصم ذلك ، أو ذكر بعد الصلاة لما كان ذلك الوقت هو وقت لجلوس الحاكم بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر على التغليظ .

وإن كانت الآية نزلت في ما ذكر ابن عباس رضي الله عنه في نصرانيين فقد يجوز أن يكون الله أمر بذلك تغليظا عليهما ، وهما تميم وصاحبه ، إذ كانوا يعظمون وقت غروب الشمس وما قرب من ذلك ووقت طلوعها لأنه وقت عبادتهم إياها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فإن عثر على أنهما استحقا إثما ) قال بعضهم : فإن اطلع منهما على خيانة أنهما كتما ، وكذبا ، فجاء آخران يشهدان على غير ما شهدا عليه ، أجيزت شهادة الآخرين ، وأبطلت شهادة الأولين .

قال القتبي : ( فإن عثر ) أي ظهر ، وقال أبو عوسجة : قوله تعالى : ( فإن عثر ) أي علم واطلع عليه ؛ يقال : عثرت على فلان وعلى ما يفعل فلا ؛ أي علمت به ، واطلعت عليه ، أعثر عثرا . وكذلك : ( أعثرنا عليهم ) في سورة الكهف[ الآية : 21 ] من هذا ؛ أي أطلعنا عليهم ، وأعلمناهم بمكانهم . ويقال : أعثرت فلانا على سر فلان أي أعلمته .

ثم وعظ الله المؤمنين ، وحذرهم أن يفعلوا مثل ذلك ، فقال : ( واتقوا الله واسمعوا ) مواعظه ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ما داموا في فسقهم ، أو قال ذلك لقوم على الله منهم أنهم لا يرجعون عن ذلك أبدا .